الدين محمود وسيف الدين غازي (?)،
كان من عادة نور الدين محمود تحليل الأوضاع الدولية والإقليمية ومتابعة الأحداث الجارية - وتحليها بعمق ثم - ويخرج بالدروس والعبر التي تفيده في تقرير سياسته المستقبلة وقد شكلت الحملة الصليبية الثانية الحدث الأكبر في المنطقة والعالم كله عام 543هـ/1148م وكانت بالنسبة لنور الدين محمود الحدث الأول من نوعه بعد توليه الحكم عام 541هـ/1146م والذي يمارس عليه سياسته المذكورة، فقد كان نور الدين يتوقع أن تكون إمارته (حلب) الهدف الأول لهذه الحملة، لأنها تشكلت وتوجهت للشرق على خلفية سقوط مدينة الرها عاصمة إمارة الرها الفرنجية عام 539هـ/1144م، على يد عماد الدين ولكن الذي حصل أن الحملة غيَّرت هدفها المتوقع وتوجهت إلى دمشق وحاصرتها محاولة احتلالها، وكان هذا التغيير مفاجأة كبيرة لنور الدين، ومفاجأة أكبر لمجير الدين آبق حاكم دمشق وأتابكه معين الدين أنر المدبر الحقيقي لشؤون إمارة دمشق، كانت مفاجأة نور الدين معروفة الأسباب أما مفاجأة حكام إمارة دمشق فلأنهم كانوا أصدقاء الفرنجة الوحيدين من المسلمين في المنطقة وجرى بين الطرفين تعاون وثيق ضد عماد الدين زنكي عندما كان يحاول الاستيلاء على دمشق، ولم يكن متوقعاً من الفرنجة مهاجمة أصدقائهم في دمشق وترك عدوهم الأول في حلب، ولكن نور الدين محمود استفاد من هذا التغيير المفاجئ في هدف الحملة التي لم يحصل ارتجالاً ولم يكن حماقة كما يذكر بعض المؤرخين (?) بل جاء بعد دراسة وتحليل للأوضاع في المنطقة قام بها قادة الحملة في اجتماعات مكثفة اشترك بها ملك بيت المقدس وقادته في مدينة عكا قبل الهجوم على دمشق (?).
لقد تأكد لنور الدين محمود المغزى الحقيقي لغزو الفرنجة السابق في الحملة الأولى والحالي في الحملة الثانية والذي لا يمت بصلة إلى استرجاع قبر المسيح عليه السلام من المسلمين وتأمين طريق الحج إلى القدس على طوال الساحل شمالاً إلى القسطنطينية، كما كان يزعم زعماء الدين المسيحي الذين خططوا لهذه الحروب كما أن الهدف الحقيقي للحملة الفرنجية الثانية أبعد ما يكون عن الانتقام لسقوط الرها لأن الحملة توجهت إلى دمشق حليف الفرنجة في المنطقة ولم تتوجه إلى حلب أو الرها حيث يوجد من يتوجب الانتقام منه، فقد أدرك نور الدين محمود أن هدف الفرنجة الحقيقي هو احتلال المشرق الإسلامي والسيطرة عليه كما كانت الإمبراطورية الرومانية تسيطر عليه قبل الإسلام وأنهم لا يميزَّون في عملهم لتحقيق هذا الهدف بين إمارات ودول المسلمين فالحليف المتعاون معهم سواء عندهم مع المقاوم لسيطرتهم وتوسعهم، المجاهد لتحرير البلاد من احتلالهم، فهم