4 - ومن معالم التجديد في دولة نور الدين اهتمامه بالعلماء فقد فتح مؤسسات الدولة للاستفادة منهم، فقدمهم على الأمراء وبذل لهم العطاء وشجع المتميزين منهم إلى الهجرة لدولته وقد شارك العلماء معه في الجهاد ضد الصليبيين بالكلمة والسيف والتأليف والوعظ، كما سنرى في هذا الكتاب بإذن الله.
هذا وقد طّور نور الدين النظام الإداري لدولته وحرص على صبغته لدولته وحرص على صبغته بالصبغة الإسلامية، واعتمد في إدارته للشورى وابتعد عن الانفراد بالقرار بشكل كبير، وقدم المصلحة العامة على الانفعالات وكان مثال رائع في الزهد والتعفف وبذل المال في الصالح العام، وحرص على توفير الأمن للرعية وضمن لهم الحريات العامة، كحرية الرأي والمحافظة على كرامة الفرد وافردت مبحثاً عن النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية، فبينت مصادر دخل دولة نور الدين، كنظام الاقطاع الحربي، والزكاة والخراج والجزية والغنائم وفداء الأسرى والأموال العظيمة التي خلفها أبوه عماد الدين، وأثر الأمانة الكبيرة التي تميز بها نور الدين وحكومته الرشيدة على خزانة الدولة، وأثر الأمن والاستقرار على انتعاش الحركة التجارية، ومساهمة الأثرياء والمعاهدات والاتفاقات التي ألزم بها الخصوم لدفع أموال للدولة الزنكية، وتحدثت عن دعم الخليفة العباسي للدولة الزنكية، وأثر السياسة الزراعية والصناعية والتجارية في تقوية اقتصاد الدولة واهتم نور الدين بالشرائع المنتجة كالفلاحين، وأصحاب الأموال كالتجار، فقد حرص على إرضاء كبار التجار من أجل أن يستمر استثمارهم لأموالهم في عمليات تجارية على أرض دولته على نحو يدعم اقتصاديات الدولة ويدر الأموال الطائلة على ميزانيتها من عوائد المكوس الشرعية لا أن تذهب إلى خارجها، في وقت تصارعت فيه مع القوى الإسلامية والصليبية المجاورة وقد وجد كبار التجار في نور الدين قوة مهيئة لنشاطهم التجاري أكثر من ذي قبل وعندما دخل نور الدين مدينة دمشق حرص أشد الحرص على الاجتماع مع كبار التجار الدماشقة، من أجل بعث الطمأنينة في نفوسهم ولتوضيح معالم سياسته الاقتصادية المرتقبة وقد استفاد التجار من هدنات الدولة النورية مع مملكة بيت المقدس الصليبية في صفقاتهم التجارية وكان من سياسة نور الدين الاقتصادية والمؤيدة بالشرع الإسلامي إلغاء
الضرائب وأخذ نور الدين في تنفيذ هذه السياسة منُذ فترة مبكرة، وكان حيناً بعد حين يصدر الأوامر ويعمّم الكتب والمناشير بإسقاط حشود الضرائب "اللاشرعية" التي كانت تأخذ بخناق المواطنين من جراء سياسات الابتزاز التي اعتمدها الحكام والأمراء الذين عاصروه وكانت شعبيّته تزداد باطّراد عجيب في خط متواز مع مقادير الضرائب التي كانت يأمر بإلغائها وهدد من لا يطبق ذلك