وأنهم بالفعل كانوا جزءاً من صراع قاري أو عالمي على نحو يجعل لهم مكانة بارزة في تاريخ المسلمين وقد مدح الشعراء الإنجاز الكبير الذي قام به عماد الدين لفتحه إمارة الرها، فقد وصف ابن الأثير جيش عماد الدين في خروجه لفتح الرها فقال:
بجيش جاش بالفرسان حتى ... ظننت البَّر بحراً من سلاح
وألسنة من العذبات حُمْر ... تخاطبنا بأفواه الرَّياح
وأروع جيشه ليلٌ بهيم ... وغُرَّته عمود للصباح
صفوح عند قدرته ولكن ... قليل الصفح ما بين الصفاح
فكان ثباته للقلب قلباً ... وهيبته جناحاً للجناح
وهنَّأ الشاعر ابن القيسراني القاضي كمال الدين الشهرزوري بهذا الفتح فقال:
إن الصفائح يوم صافحت الرُّها ... عطفت عليها كل أشوس ناكب
فتح الفتوح مبشَّراً بتمامه ... كالفجر في صدر النَّهار الآيبِ
س
لله أية وقفة بدرية ... نُصرت صحابتها بأيمن صاحب
ظفٌر كمال الدين كنت لقاحه ... كم ناهضٍ بالحرب غير محارب
وأمدكم جيشُ الملائك نُصرة ... بكتائب محفوفة بكتائب
جبنوا الدَّبور وقدتم ريح الصبا ... جنُد النبوة هل لها من غالب
إلى أن قال:
وإذا رأيت الليث يجمع نفسه ... دون الفريسة فهو عين الواثب
وكان فتح الرها بداية لما بعدها، إذ لم يكن من الصعب على عماد الدين زنكي أن يستكمل مهمته بفتح باقي المعاقل الصليبية التابعة لهذه الإمارة، فاستغل فرصة تضعضع أحوال الصليبيين في المنطقة وقد استطاع عماد الدين أن يحقق قسطاً كبيراً من برنامجه وأن يكّون لنفسه مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي كسياسي بارع وعسكري متمكن ومسلم واعٍ أدرك الخطر الذي حاق بالعالم الإسلامي من قبل الصليبيين فقد استطاع أن يوجه الظروف التاريخية القائمة لصالح المسلمين وذلك بتجميعه القوى الإسلامية، بعد القضاء على عوامل التجزئة والانقسام وتوحيد المدن والإمارات المنفصلة في نطاق دولة واحدة استطاع بحنكته أن يستغل أقصى ما يمكن أن تقدمه دولته من إمكانات في سبيل تحقيق برنامجه المزدوج أي تشكيل الجبهة الإسلامية وضرب الصليبيين ويعتبر عماد الدين زنكي أول قائد سلجوقي