كاجوري في كتاب "تأريخ تدوين الرياضيات": "إن العرب يمثلون ظاهرة خارقة في تاريخ المدنية، حيث القبائل الجاهلة المنقسمة على نفسها في الجزيرة العربية، والتي لم تعرف الحكم ولا الحرب، قد انصهرت في أتون الحماس الديني خلال عشر سنوات، وجعلت من نفسها أمة قوية، وبعد مائة عام من مسيرة الفتوحات الجليلة، رأيناهم يتصدرون أمماً غيرهم في الجهد الفكري، وأصبح المسلمون هم علماء زمانهم الأجلاء" (?).
لقد أعاد الإسلام صياغة شخصية الإنسان، ففجر طاقاته الإبداعية الكامنة من أجل العلم والعمل لبناء حضارة إنسانية متوازنة، وكانت نظرية المعرفة الإسلامية بشمولها وتكاملها واتساقها، وسيلته لإحداث التغيير الجذري في كيان الإنسان وبنية المجتمع، تلك النظرية التي غرس القرآن بذرتها وعبَّرت عنها "السنة " في فجر تاريخ الإسلام.
وقامت الدولة الناشئة في المدينة المنورة بمسؤوليتها في بداية الأمر، فقيادتها أكثر وعياً للحاجة إلى التعليم، وهي تواجه مسؤولية إدارة الدولة وحاجاتها المتنوعة للتعليم.
وصدرت البادرة الأولى عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، عندما أمر بعض المتعلمين من المسلمين بتعليم الآخرين، وأمر بعض الأسرى ببدر بتعليم شباب الأنصار الكتابة مقابل مفاداتهم، وأرسل المعلمين- وسط الأخطار- إلى البوادي للدعوة ولتعليم الناس القرآن وتفقيههم بالدين.
وما إن أشعلت الدولة الفتيلة حتى انطلقت الأمة لتوسع من نطاق التعليم بحيث أصبح لا قبل للدولة باحتواء مؤسساته أو الإشراف عليها.