على أصابع اليد، ولكن الحافز الديني القوي- الذي جعل الأمة تحدد أهدافها وتوحد قواها لبلوغها- أوجد وسطاً ملائماً لانتشار التعليم. وبعد زمن يسير طهرت آثار حركة التعليم الجديدة في إظهار الطاقات الكامنة، فإذا بأعداد هائلة تعنى بالفكر والعلم، وتظهر القدرة والإبداع في ميادين شتى، فتسهم في بناء الصرح الثقافي والحضاري الجديد.

ولا شك في أن الانسجام العقيدي والفكري والاجتماعي، ووضوح الرؤية بتحديد الأهداف العامة للدولة والمجتمع، دفعا بقوة حركة التعليم، بل الحركة الثقافية العامة، لمواكبه التقدم العسكري والسياسي، وحل المشكلات الجديدة في الدولة الواسعة. فتحديد وجهة التعليم وأهدافه لأول مرة كان من معطيات عصر السيرة والراشدين، وقد أدت هذه الحوافز القوية والضوابط الجديدة إلى انتشار التعليم بسرعة خارقة، لا تقل دهشة الإنسان أمامها عن دهشته إزاء سرعة الفتوح العسكرية، إذ لا ريب في أن الإسلام أحدث ثورة التعليم التي أثمرت "النضوج الفكري المباغت" وشكلت بذلك "ظاهرة خارقة".

يقول العالم الألماني مورتز كانتور: "إن شعباً ظل قروناً متتابعة معزولاً عن المؤثرات الحضارية التي كان يتعرض لها جيرانه، ولم يؤثر هو نفسه على الآخرين كل هذا الوقت، نهض فجأه وفرض عقيدته وقوانينه ولغته على الأمم الأخرى إلى درجة لا مثيل في التاريخ لظاهرة غريبة مثلها، وأسبابها جديرة بالدراسة والتقصي، لأننا في الوقت نفسه متأكدون من أن هذا النضج الفكري المباغت الذي تكون بسرعة تشبه سرعة حدوث الانفجار لم يأت من تلقاء نفسه" (?).

وتتطابق رؤية عالم آخر هو فلوريان كاجوري مع ما ذكره مورتز كانتور، قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015