وبعد ذكر الحافظ ابن حجر لجملة الأحاديث بدون تكرار قال: وبين هذا العدد الذي حررته والعدد الذي ذكره ابن الصلاح وغيره تفاوت كثير، ويعنى بذلك ما جاء عن ابن الصلاح حيث قال في علوم الحديث: وقد قيل إنها باسقاط المكررة أربعة آلاف حديث ثم إنه علل ذلك بقوله: يحتمل أن يكون العاد الأول الذي قلدوه في ذلك كان إذا رأى الحديث مطولا في موضع ومختصرا في موضع آخر يظن أن المختمر غير المطول إما لبعد العهد به أو لقلة المعرفة بالصناعة، ففي الكتاب من هذا النمط شيء كثير، وحينئذ يتبين السبب في تفاوت ما بين العددين والله الموفق، انتهي كلامه رحمه الله وغفر له وجزاه عن خدمته التامة للسنة وبخاصة أصح الكتب الحديثية خير الجزاء.
السر في إعادة البخاري الحديث الواحد في موضع أو مواضع من صحيحه: معلوم أن الإمام البخاري رحمه الله لم يرد الاقتصار في صحيحه على سرد الأحاديث الصحيحة. وإنما أراد مع جمع الحديث الصحيح استنباط ما اشتمل عليه من حكم وأحكام ولذلك يستنبط من الحديث الحكم ويجعله ترجمة. ثم يورد الحديث تحتها للاستدلال به عليها، ويستنبط منه حكما آخر يترجم به ويورد الحديث مرة أخرى للاستدلال به أيضا فيكون التكرار لغرض الاستدلال، على أنه إذا أعاد الحديث مستدلا به لا يخلى المقام من فائدة جديدة وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه من قبل، وذلك يفيد تعدد الطرق لذلك الحديث، ولهذا قال الحافظ أبو الفضل ابن طاهر المقدسي فيما نقل عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح، وقلما يورد حديثا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وذكر الحافظ ابن حجر أن الذي وقع له من ذلك قليل جدا. وقال صاحب كشف الظنون، والتي ذكرها سندا ومتنا محادا ثلاثة وعشرون حديثا.
وللبخاري أغراض أخرى في إعادة الحديث في موضع أو مواضع ذكر كثيرا منها الحافظ في مقدمة الفتح.