ولا يجوز له تعدي ذلك لما لا علم له به، لقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} (?) فالمنكر بحق كالمعتقد به، وقد جرت عادة فقراء هذا الزمان بسب المنكرين والانتصار عليهم من غير حق، وربما انتهى بهم الأمر إلى حد يستبيحون به دماءهم وأموالهم وأعراضهم، فيدخلون بذلك في زمرة المارقين، وربما كانوا به من الذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وحق الفقير إقباله على شأنه وإعراضه عن مواضع الشبه وعدم مقابلة الخلق فيما يأتون به، لأن ذلك لا ينقضي، ويؤدي إلى وجود التشويش دائما، كما قيل:

لو (?) كل كلب عوى ألقمته حجرا ... لأصبح الصخر مثقالا بدينار

والطريق مبني على رحمة الخلق فيما هم فيه، وإقامة الحق عليهم فيما يقتضيه، فإن من نظر إلى الخلق بعين الحقيقة عذرهم، ومن نظر إليهم بعين الشريعة طالت خصومته معهم، والحق أن ينظر إليهم بعين الحقيقة، ويحكم عليهم بحكم الشريعة، فيقع الإنصاف في عين الائتلاف: {ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك} (?) قيل: للاختلاف، وقيل: للرحمة، وقيل: لهما، وهو الصحيح، وقد جرت سنة الله بإنكار الفقهاء على هؤلاء القوم جملة وتفصيلا، والأكثر في هذه الأزمنة التفصيل، وذلك لحكمة بقائهم مع مولاهم بلا علة، ولتظهر عنايته عليهم في عدم التمكين منهم، ولتبدو فضائلهم لمن لم يكن له بها علم.

إذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود.

وأيضا فلئلا يفوتهم الشكر على المدح، والصبر على الذم، ولا يبقى لهم قرار إلا مع مولاهم ولا سكون لغيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015