فأما الكنوز فليس في طلبها إلا الطمع، وقلة العقل، والتعرض للتلف في غير حاصل، وهب أن واحدا حصل فآلاف الآلاف ماتوا بغصته، بل تلفوا في طلبه، والدنيا عند أهل الله أقل من أن ينظروا إليها، فكيف يبذلون فيها نفوسهم، وعلة الإطعام علة فارغة، لأن النفقة من القليل الخالص أفضل من الكثير المشوب، بل ولو من الخالص، وبالله التوفيق.
...
69 - فصل
وأما الكاغدية فهي فرع علوم الروحاني، ومرجعها لأحد أمرين:
إقلاب عين لا يدوم، فلا يحل، لأنه غش حاضر، أو نقل عين، وقد تكون من مال معصوم، فلا تحل أيضا، لأن الأصل ذلك، بخلاف ما يحتجون به من قولهم إنما يأتون به من مال من لا يزكي أو من يسرق حقوق المسلمين من السوقة، فأما ما يدعونه من أن الجان يأخذ المعدن فيضربه في حينه، فأمر داخل تحت القدرة، والأصل خلافه لقوة السرعة، وهذا كله إن سلم العمل من بعض العزائم الكفرية أو المجهولة، أو العمل بالأمور التي لا تجوز، مثل الصلاة لغير القبلة، أو بصفة معلومة لوجه معلوم، أو الوضوء ببول بعض الحيوانات، أو تحريف القرآن والزيادة فيه كسرقة سورة الفاتحة، ودعوة آية الكرسي، ودعوة قل أوحي ونحو ذلك، فإن الأصل في ذلك كله المنع، والرجوع إليه من ضعف الإيمان في منافع القرآن، وإلا فالقرآن كاف بحروفه عما ذكر في جميع ما يراد منه لمن أهل له، ثم علم الروحاني غالبا لا يتفق لمستقيم في دينه، وإن اتفق له فعن قريب ينقلب عليه فيتضرر به، وإن لم يتضرر به حجبه عن العلوم الإلهية، فكان مجعزولا عن المعرفة الخاصة، كما أشار إليه بعض الأئمة، وقال:
إذا اختبرت من يصحب الجان لا تجد معه علما إلهيا أبدا، ثم إن أتاه بخير يدخل به في حيز الكهان، لقول النبي (ص): ((تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقرقرها في أذن وليه، كقرقرة الدجاجة، فيخلطون معها