وقال في الحكم: المؤمن يشغله الثناء على الله عن أن يكون لنفسه شاكرا، وتشغله حقوق الله عن أن يكون لحظوظه ذاكرا انتهى، ومعناه أنه يذم ربه فيما ينعم عليه به فلا يتفرغ لثنائه على نفسه، لاشتغاله بحمد مولاه وشكره، ويذم حقه فيما يرومه من الحظوظ، فلا يدخلها إلا بأمر منه، فتكون عاملا له لا لحظه، والله أعلم.
فإن قيل: كل مباح لا يخلو عن شهوة والعبد مضطر إليه.
قلنا: الخلاص من ذلك بذم حق الله فيه، فما لم يكن الباعث عليه حق الله، فلا تقربه، ولذلك طلب من المريد أن لا يأكل إلا من فاقة، ولا ينام إلا من ضرورة، إلى غير ذلك، فافهم، ومتى تأخر ذم الوجه عن الواقع، فهو تأويل لا عبرة به، وضرره أكثر من نفعه، إلا أن يفيد استغفارا، أو تذكرا للمستقبل فلا بأس به، والفرار منه أحسن.
ثم من الرخص والشهوات ما أجمع المسلمون على إباحته، أو قاربوا الإجماع، كالسلم والفطر في السفر، والسلف، وعدم البحث عما في الأسواق أحلال هو أم لا، ما لم يتعين أو تقوم شبهة فيه، والصلاة خلف أئمة الأمصار والقرى المعتبرة دون بحث، ورأوا أن البحث فيه من التنطع، وهو أيضا ممن حيز الرخص المحبوبة، لكونه من سماح الدين وسهولته الذي لا تطيب به إلا نفس مؤمن سليم الصدر، فإن الرخصة تحيك في صدر المشمر، كما تثقل العزيمة على المقصر، فلذلك قوبلت بها.
وإنما الرخصة المذمومة عند القوم الرخصة المكروهة، كترك معتاد الفضائل والاسترسال في العاديات، أو التوسع في المباحات، أو الرجوع في المندوبات، أو الدخول في جلي الخلافيات، لا لضرورة فادحة، فإن توقى الشبهات لازم لكل مؤمن، فضلا عن المريدين، لكن شبهة الخلاف قل أن ترتفع عن مسألة في الفروع، لقلة مسائل الإجماع، لكن ما قويت شبهته أو كان الاحتياط يساعده لزمت مراعاته، وإلا فلا حرج في الدين، والخروج من الخلاف مستحب اتفاقا حسب الإمكان، واختلاف العلماء رحمة.