الثالث: الغفلة عن تفقد أحواله، ومحاسبة نفسه في جميع أموره، وذلك مفتاح سوء أدبه من حيث لا يشعر، بل حتى يظن أنه على شيء، وليس عنده شيء، وقد قال أبو حفص (ض): التصوف كله أدب، (ولكل وقت أدب، ولكل حال أدب) (?)، ولكل مقام أدب، فمن لزم آداب الأوقات بلغ مبلغ الرجال، ومن ضيع الأدب، فهو بعيد من حيث يظن القرب، ومردود من حيث يظن القبول انتهى، وهو تنبيه عظيم لا يقوم به إلا مراقب لكل شيء منه في جميع الأحوال، فافهم.
الرابع: تعليق القلب بالاستفادة من الناس، بأن يشتغل بطلب الشيخ ويتعلق بمن يتوهم هذه المرتبة، فإن ذلك يقضي بوجود الاغترار بمن ظهرت عليه آثار نفسانية وشغل قلبه بالتشوف للجهات، فيتشتت مرة ويضل أخرى، وربما وقع في مهواة باغتراره، وفي فترة بطلبه، أو في وقفة بلقائه من ترضى حاله، (ولكن ليجعل همته في رضى مولاه، عالما أن رضاه في صدق التوجه إليه) (?) ولا توجه إلا ما جاء عنه من أمر ونهي في باب الواجبات والندب وغيره، حتى يفتح له بشيخ من عنده، لأنه منحة منه تعالى كما تقدم، وقد ورد في الخبر: ((في كل واد من قلب ابن آدم شعبة، فمن تبع قلبه تلك الشعاب لم يبال الله في أي واد أهلكه)) (?) الحديث، اللهم إلا أن ينزل به ما يحتاج للشيخ فيه، فيتعين طلبه لذلك، والله يعينه بفضله.
الخامس: اتباع التأويل، وبساط الميل إلى الرخص، وتوق النفس، من ضيق التوجه وقلة الصبر على المجاهدة مع مبادئ التنوير، فلا يكاد يقع في شيء إلا رآه كمالا، أو يستدل له بدليل يظنه نورا وهو ظلمة، فيكون تارة من {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} (?) وتارة