عدم صدقك في عبوديتك، وقال أيضا: متى أهمك عدم إقبال الناس عليك أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فيك، فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد ممن مصيبتك بوجود الأذى منهم، وقال بعض المشايخ: من أشار إلى الحق وتعلق بالخلق، أحوجه الله إليهم، ونزع الرحمة من قلوبهم عليه.
وفيما كتب لنا الشيخ أبو العباس الحضرمي (ض):
عش خامل الذكر بين الناس وارض به ... فذاك أسلم للدنيا وللدين
من عاشر الناس لم تسلم ديانته ... ولم يزل بين تحريك وتسكين
فإذا فرض المريد دفن النفس في أرض الخمول، وإيثار الأذى من كل شيء، حتى يأتيه من الحق في ذلك ما يغلبه بأن لا يقدر على دفعه، فليقم بواجب وقته، وحينئذ يقال له: من أراد الظهور فهو عبد الظهور، ومن أراد الخفاء فهو عبد الخفاء، وعبد الله، سواء عليه أظهره أو أخفاه، كما قاله الشيخ أبو العباس المرسي (ض).
الثاني: حسن ظنه بنفسه فيما هو به، بحيث يظهر له أنه بلغ مبلغ الرجال أو ما يقرب منها، فيرى أن اختلاف الأحوال لا يؤثر (?) فيه، فيأخذ بالسماع والاجتماع والإكثار من المباحات والاتساع في الخلطة والانبساط في المباسطة، ويؤثر العلوم الدقيقة، فيستأنس بمواجيد ذلك كله، ظنا منه أنه فتح له، حتى يقع في إساءة الأدب، فيرد من حيث لا يعلم، وقد قال أبو حفص الحداد (ض): من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه فهو مغرور، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها، وكيف يصح لعاقل الرضى عن نفسه، والكريم ابن الكريم ابن الكريم يقول: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء} (?)، انتهى، وهو عجيب في بابه.