الشبع، وسجنه الجوع، والهوى، وسلاحه الكلام، وسجنه الصمت.
قلت: وفي كل هذه آفات لا ينتبه لها إلا حازم يعامل كل شيء على قدر الحاجة إليه، فلا يفرط ولا يفرط، لأن الإفراط مضر كالتفريط، والخير كله في التوسط، فيتعين العمل عليه، وذلك بأن يكون كل واحد أهم، لا أنه ينفرد لمقابله، لأن آفة الترك كالفعل، ومن كان الجوع أهم إليه من الشبع، لم يأكل فوق ما يكفيه، ومن كان السهر أهم إليه من النوم، لم ينم فوق ما يحتاج إليه، ومن كان الصمت أهم إليه من الكلام، لم يتكلم فيما لا يعنيه، ومن كانت الخلوة أهم عليه من الجلوة، تفرغ لما يريده، ومن لم تكن هذه من همته، فقل أن يصلح حاله، وإن صلح فلا يدوم، وإن دام فلا يجد له أثرا، فقد قال بعض السادة: من يكثر الأكل، لا يجد للطاعة لذة، ومن يكثر النوم، لا يجد للعمر بركة، ومن يطلب رضى الناس، فلا ينتظر رضى الله، ومن يكثر الكلام بفضول أو غيبة، فلا يخرج من الدنيا على الإسلام (?).
والتأدب في الحالات جار بحسبها، وأهم ما في ذلك قد جمعه الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض) حيث قال: أربعة آداب إذا خلا الفقير المتجرد عنها، فاجعله والتراب سواء: الرحمة للأصاغر والحرمة للأكابر، والإنصاف من النفس، وترك الإنصاف لها.
وأربعة آداب إذا خلا الفقير المتسبب عنها فلا تعبأن به، وإن كان أحدهم أعلم البرية؛ مجانبة الظلمة، وإيثار أهل الآخرة، ومواساة ذوي الفاقة، ومواظبة الخمس في الجماعة.
وقال (ض): أوصاني حبيبي (?) فقال: لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله، ولا تجلس إلا حيث تأمن غالبا من معصية الله، ولا تصحب إلا من تستعين به على طاعة الله، ولا تصطفي لنفسك إلا من تزداد به يقينا، وقليل ما هم.