الثالث: أن وازع الحقيقة لا يتوقف على نمط واحد، فالتقييد بالكيفيات حرمان من وجوه المعارف وإن أثار لذة نفسانية، فلا يؤثر حقيقة إيمانية، ولا نكتة عرفانية، وبالله سبحانه التوفيق.
...
32 - فصل
فيما يذكر عنهم من ترك قضاء الفوائت،
وتفويت الصلاة إذا كان أحدهم في شغل الفقراء حتى يقضيه،
وإن فات الوقت، وهما مصيبتان عظيمتان.
أما الفوائت، فأول الواجبات بعد التوبة عند القوم قضاؤها إجماعا منهم، وإن كان بعض الفقهاء قد قال بسقوطها بناء على تكفير تارك الصلاة، وهو يقول مع ذلك بانفساخ نكاحه، وتجديد سائر عقوده الإسلامية، وهو مذهب بعيد، لا يصح الأخذ به في هذه البلاد، لعدم تحقيقه من علمائه، وإن كان حقا في نفسه فليس معولا عليه، ولا معمولا به عند القوم، فالعمل به تلاعب بالدين، ورجوع إلى الرخص بغير ضرورة ملجأة، وليس ذلك من شأن القوم، ثم النوافل لا تسد مسد الفرض، وقد أنكر مالك على من يرى ذلك، وقال: ليس ذلك من السنة في شيء، وإن كان قد روى عنه قول بالسقوط، فقد أنكره عياض (?) وغيره من شيوخ المذهب، وشأن الفقير الصادق إنما هو الأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشق، إلا في محل ضرورة أو أمر لا بد فيه من الترخص، لندب من الشارع ونحوه ألحقه (?) نفلا، بل قال المشايخ: متى بقيت على المريد بقية من الحقوق الواجبة على توبته كان ذلك نقصا في حاله عند فتحه، وهو مشاهد معلوم.