يدع فيها فضلا لغير الانجذاب الى جانب الحق جل جلاله فتتمحض الارادة له ومتى تمحضت كان الزهد لصاحبها ضرورة فإنه يفرغه لعمارة وقته وجمع قلبه على ماهو بصدده وقطع مواد طمعه اللاتى هى من أفسد شئ للقلب بل اصل المعاصى والفساد والفجور كله من الطمع فالزهد يقطع مواده ويفرغ البال ويملأ القلب ويستحث الجوارح ويذهب الوحشة التى بين العبد وبين ربه ويجلب الانس به ويقوى الرغبة فى ثوابه إن ضعف عن الرغبة فى قربه والدنو منه وذوق حلاوة معرفته ومحبته فالزاهد أروح الناس بدنا وقلبا فإن كان زهده وفراغه من الدنيا قوة له فى إرادة الله والدار الآخرة بحيث فرغ قلبه لله وجعل حرصه على التقرب إليه وشحه على وقته أن يضيع منه شئ فى غير ما هو أرضى الله وأحب اليه كان من أنعم الناس عيشا واقرهم عينا وأطيبهم نفسا وأفرحهم قلبا فإن الرغبة فى الدنيا تشتت القلب وتبدد الشمل وتطيل الهم والغم والحزن فهى عذاب حاضر يؤدى الى عذاب منتظر أشد منه وتفوت على العبد من النعم اضعاف ما يروم تحصيله بالرغبه فى الدنيا
قال الامام أحمد حدثنا الهيثم بن جميل حدثنا يعنى بن مسلم عن ابراهيم يعنى بن ميسرة عن طاووس قال قال رسول الله: "ان الزهد فى الدنيا يريح القلب والبدن وأن الرغبة فى الدنيا تطيل الهم والحزن " وانما تحصل الهموم والغموم والأحزان من جهتين احداهما الرغبة فى الدنيا والحرص عليها والثانى التقصير فى أعمال البر والطاعة
قال عبد الله بن أحمد حدثنى بيان بن الحكم حدثنا محمد بن حاتم عن بشر بن الحارث قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن ليث عن الحكم قال قال رسول الله: "اذا قصر العبد بالعمل ابتلاه الله عز وجل بالهم".
وكما أن الرغبة فى الدنيا أصل المعاصى الظاهرة فهى اصل معاصى القلب من التسخط والحسد والكبر والفخر والخيلاء والتكاثر وهذا كله من