تصرف العبد الذى لا يتصرف الا بأمر سيده

وقد اختلف الفقهاء فى الفئ هل كان ملكا للنبى على قولين هما روايتان عن أحمد والتحقيق أن ملكه له كان نوعا آخر من الملك وهو ملك يتصرف فيه بالأمر كما قال: "والله لا أعطى أحدا ولا أمنع أحدا انما أنا قاسم اضع حيث امرت" ذلك من كمال مرتبة عبوديته ولأجل ذلك لم يورث فإنه عبد محض من كل وجه لربه عز وجل والعبد لا مال له فيورث عنه فجمع الله له سبحانه بين أعلى أنواع الغنى وأشرف أنواع الفقر فكمل له مراتب الكمال فليست احدى الطائفتين بأحق به من الأخرى

فكان فى فقره أصبر خلق الله وأشكرهم وكذلك فى غناه والله تعالى جعله قدوة للأغنياء والفقراء وأى غنى أعظم من غنى من عرضت عليه مفاتيح كنوز الارض وعرض عليه أن يجعل له الصفا ذهبا وخير بين أن يكون ملكا نبيا وبين أن يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا ومع هذا فجيبت اليه أموال جزيرة العرب واليمن فأنفقها كلها ولم يستأثر منها بشئ بل تحمل عيال المسلمين ودينهم فقال من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلى وعلى فرفع الله سبحانه قدره أن يكون من جملة الفقراء الذين تحل لهم الصدقه كما نزهه أن يكون من جملة الاغنياء الذين أغناهم بالاموال الموروثة بل أغناه به عن سواه وأغنى قلبه كل الغنى ووسع عليه غاية السعة فأنفق غاية الانفاق وأعطى أجل العطايا ولا استأثر بالمال ولا اتخذ منه عقارا ولا ارضا ولا ترك شاة ولا بعيرا ولا عبدا ولا أمة ولا دينارا ولا درهما

فإذا احتج الغنى الشاكر بحاله لم يمكنه ذلك الا بعد أن يفعل فعله كما أن الفقير الصابر اذا احتج بحاله لم يمكنه ذلك الا بعد أن يصبر صبره ويترك الدنيا اختيارا لا اضطرارا فرسول الله وفى كل مرتبة من مرتبتى الفقر والغنى حقها وعبوديتها وأيضا فإن الله سبحانه أغنى به الفقراء فما نالت أمته الغنى إلا به وأغنى الناس من صار غيره به غنيا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015