ولا نعني بالمفاضلة: التفضيل بين حقيقة البشر وحقيقة الملائكة، وإنّما المفاضلة بين صالحي البشر والملائكة، وإن ذهب بعض الناس إلى أن الملائكة أفضل من سائر المؤمنين، والنزاع عندهم في المفاضلة بين الأنبياء والملائكة.
حجة الذين يفضلون صالحي البشر على الملائكة:
بعد أن حررنا محل النزاع نبين حجة الذين ذهبوا إلى تفضيل البشر.
الدليل الأول: أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم، فلولا فضله لما أمروا بالسجود له: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس أبى واستكبر) [البقرة: 34] .
ورد بعضهم أن السجود كان لله، وآدم إنما كان قبلة لهم، ولو كان هذا صحيحاً لقال: اسجدوا إلى آدم، وما قال: (اسجدوا لآدم) [الإسراء: 61] .
ولو كان المقصود اتخاذ آدم قبلة لما امتنع من السجود، ولما زعم أنّه خير من آدم، فإنّ القبلة تكون أحجاراً، وليس في اتخاذها قبلة تفضيل لها.
صحيح أن سجود الملائكة لآدم كان عبادة لله، وطاعة له، وقربة يتقربون بها إليه، إلا أنه تشريف لآدم وتكريم وتعظيم.
ولم يأتِ أن آدم سجد للملائكة، بل لم يؤمر آدم وبنوه بالسجود إلا لله رب العالمين؛ لأنّهم - والله أعلم - أشرف الأنواع، وهم صالحوا بني آدم، ليس فوقهم أحد يحسن السجود له إلا الله رب العالمين.
الدليل الثاني: قوله قصصاً عن إبليس: (أَرَأَيْتَكَ هذا الَّذي كرَّمت عَلَيَّ) [الإسراء: 62] فإن هذا نص في تكريم آدم على إبليس إذ أمر بالسجود له.
الدليل الثالث: أن الله تعالى خلق آدم بيده، وخلق الملائكة بكلمته.