والحاصل أن "مقصود الحياة (عند الحيوان عامة) هو حصول ما ينفع به الحي ويستلذ به، والحي لابد له من لذة أو ألم، فإذا لم تحصل له اللذة لم يحصل له مقصود الحياة" (?) .
فالسعي لتحقيق اللذة والمنفعة هو وقود الكدح الإنساني على الأرض، ولما كان ذلك فطريا في كل نفس، لم يكن من شأن المنهج الرباني الذي نزل متسقاً مع الفطرة أن يقتلعه ويخمده، وإنما شأنه أن يوجهه ويقومه. فالطاقة المحركة لا يعيبها أنها طاقة وإنما العيب أن يساء استعمالها فتتخذ طاقة للشر والخسران.
إذا تقرر هذا أمكن الوصول إلى النتيجة من خلال الإجابة عن سؤال لابد منه وهو: هل يستطيع الإنسان - مستقلا منفرداً - معرفة النافع المستلذ وتمييزه عن الضار المكروه في الحال والعاقبة؟
وإذا عرف شيئا من ذلك، فهل يستطيع الحصول عليه ودفع العوارض الحائلة دونه بمجرد تشوفه إليه وإرادته الحصول عليه؟
إن تركيب الإنسان النفسي والعضوي، وواقعه المشهود على مدار التاريخ، وطبيعة الحياة كما خلقها الله تعالى، و "الكبد" الذي خلق الإنسان فيه. و "الكدح" الذي لا ينفك عن بشر لتجيب جميعها بلا.
فالإنسان مع حرصه الفطري العنيد ومع السعي الدائم والحركة اللاهثة المستمرة يشتمل في تركيبه الذاتي على موانع كثيرة تحول بينه وبين استقلاله بذلك، ومنها على سبيل التمثيل "الضعف، الجهل، الظلم، العجلة، النسيان"