وبيان ذلك أن كل إنسان - بل كل كائن حي - إنما يصرف عمله وإرادته " حرثه وهمه " من أجل الحصول على ما يراه نافعا لذيذا، والابتعاد عما يراه ضارا مؤلما، وليس في تصرفات العقلاء ما يصح أن يخرج عن هذا، بل ليس في الكائنات ما يقصد إلى خلاف ذلك (?) .
فالنبات - مع دنو درجته في سلم الأحياء - يضرب بجذوره في الأرض متجها إلى الجهة التي فيها الماء، ويضرب بفروعه صاعدا إلى الزاوية التي يكون فيها الضوء.
والحيوان السارح في الغابة يختار من الغذاء - بهداية الله عز وجل له - ما ينفعه ويلائمه ويتجنب ما يضره وينافره. نعم قد يخطئ فيقتات ما يضر، ولكنه بأكله مضرة نفسه، وإنما آثره للذة وجدها فيه مع جهله بعاقبته.
والإنسان الذي اختصه الله تعالى بالتكريم والتفضيل على سائر الأحياء في الأرض تظهر فيه هذه النزعة بما يتناسب مع خصائصه الفذة؛ فهو يبني الحضارات المتعاقبة ويتطور في ألوان الاستمتاع ومظاهر الانتفاع، كل ذلك والدافع لا يفتر والمحرك لا يتوقف والتشوق إلى المزيد لا يضعف. وهو حتى حين يرتكب أكثر الأفعال إيلاما لنفسه - وهو أن يقتلها عامداً - إنما يبتغي بذلك راحتها وخلاصها بزعمه.