حمود قرطبة، والجيوش واردة عليها في الجهات تتسارب، فرأيت في جملتهم فتى لم أقدر أن للحسن صورة قائمة حتى رأيته، فغلب علي عقلي وهام به لبي، فسألت عنه فقيل لي: هذا فلان ابن فلان، من سكان جهة كذا، ناحية قاصية عن قرطبة بعيدة المأخذ، فيئست من رؤيته بعد ذلك.

ولعمري يا أبا بكر لا فارقني حبه أو يوردني رمسي، فكان ذلك.

وأنا اعرف ذلك الفتى وأدريه، وقد رأيته لكني أضربت عن اسمه لأنه قد مات، والتقى كلاهما عند الله عز وجل، عفا الله عن الجميع.

هذا على أن عبد الله، أكرم الله نزله، ممن لم يكن له وله قط، ولا فارق الطريقة المثلى، ولا وطئ حراماً قط، ولا قارف منكراً، ولا أتى منهياً عنه يخل بدينه ومروءته؛ ولا قارض من جفا عليه، وما كان في طبقتنا مثله.

ثم دخلت أنا قرطبة في خلافة القاسم بن محمود المأمون فلم أقدم شيئاً على قصد أبي عمر القاسم بن يحيى التميمي أخي [أبي] عبد الله رحمه الله، فسألته عن حاله وعزيته عن أخيه، وما كان أولى بالتعزية عنه مني، ثم سألته عن أشعاره ورسائله إذ كان الذي عندي منه قد ذهب بالنهب في السبب الذي ذكرته في صدر هذه الحكاية، فأخبرني عنه أنه لما قربت وفاته وأيقن بحضور المنية ولم يشك في الموت دعا بجميع شعره وبكتبي التي كنت خاطبته أنا بها، فقطعها كلها ثم أمر بدفنها.

قال أبو عمر، فقلت له: يا أخي دعها تبقى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015