قبل الله عز وجل، وهو اليأس إما بموت أو بين أو آفة تزمن، والمتصبر في هذه معذور.
وعني أخبرك أني جبلت على طبيعتين لا يهنأني معهما عيش أبداً، وغني لأبرم بحياتي باجتماعهما وأود التغيب من نفسي أحياناً لأفقد ما أنا بسببه من النكد من أجلهما وهما: وفاء لا يشوبه تلون قد استوت فيه الحضرة والمغيب، والباطن والظاهر، تولده الألفة التي لم تعزف بها نفسي عما دربته، ولا تتطلع إلى عدم من صحبته، وعزة نفس لا تقر على الضيم، مهتمة لأقل ما يرد عليها من تغير المعارف، مؤثرة للموت عليه؛ فكل واحدة من هاتين السجيتين تدعو إلى نفسها وإني لأجفى فأحتمل، واستعمل الأناة الطويلة، والتلوم الذي لا يكاد يطيقه أحد، فإذا أفرط الأمر وحميت نفسي تصبرت، وفي القلب ما فيه، وفي ذلك أقول قطعة منها: [من البسيط] لي خلتان أذاقاني الأسى جرعاً ... ونغصا عيشتي واستهلكا جلدي كلتاهما تطبيني نحو جبلتها ... كالصيد ينشب بين الذئب والأسد وفاء صدق فما فارقت ذا مقة ... فزال حزني عليه آخر الأبد وعزة لا يحل الضيم ساحتها ... صرافة فيه بالأموال والولد ومما يشبه ما نحن فيه، وإن كان ليس منه، ان رجلا من إخواني كنت أحللته من نفسي محلها، وأسقطت المؤونة بيني وبينه، وأعددته ذخراً وكنزاً، وكان كثير السمع من كل قائل، فدب ذوو النميمة بيني وبينه، فحاكوا له وأنجح سعيهم عنده، فانقبض عما كنت أعهده.
فتربصت عليه مدة في مثلها أوب الغائب ورضى العاتب، فلم يزدد إلا انقباضاً فتركته وحاله.