- 27 - باب السلو

وقد علمنا أن كل ما له أول فلا بد له من آخر، حاشا نعيم الله عز وجل بالجنة لأوليائه وعذابه بالنار لأعدائه؛ وأما أراض الدنيا فنافذة فانية وزائلة مضمحلة، وعاقبة كل حب إلى أحد أمرين: إما اخترام منية، وإما سلو حادث.

وقد نجد النفس تغلب عليها بعض القوى المصرفة معها في الجسد، فكما نجد نفساً ترفض الراحات والملاذ للعمل في طاعة الله تعالى وللرياء في الدنيا، حتى تشتهر بالزهد، فكذلك نجد نفساً تنصرف عن الرغبة في لقاء شكلها للأنفة المستحكمة المنافرة للغدر، أو استمرار سوء المكافأة في الضمير، وهذا أصح السلو.

وما كان من غير هذين الشيئين فليس إلا مذموماً.

والسلو المتولد من الهجر وطوله إنما هو كاليأس يدخل على النفس من بلوغها إلى أملها، فيفتر نزاعها ولا تقوى رغبتها؛ ولي في ذم السلو قصيدة منها: من الطويل] .

إذا ما رنت فالحي ميت بلحظها ... وإن نطقت قلت السلام رطاب كأن الهوى ضيف ألم بمهجتي ... فلحمي طعام والنجيع شراب.

ومنها: صبور على الأزم الذي العز خلفه ... ولو أمطرته بالحريق سحاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015