ولقد رأيت من يستعجل هجر محبوبه ويتعمده خوفاً من مرارة يوم البين وما يحدث به من لوعة الأسف عند التفرق، وهذا وإن لم يكن عندي من المذاهب المرضية، فهو حجة قاطعة على ان البين أصعب من الهجر، وكيف لا وفي الناس من يلوذ بالهجر خوفاً من البين.

ولم أجد أحداً في الدنيا يلوذ بالبين خوفاً من الهجر، إنما يأخذ الناس أبداً الأسهل ويتكلفون الأهون.

وإنما قلنا إنه ليس من المذاهب المحمودة لان أصحابه قد استعجلوا البلاء قبل نزوله، وتجرعوا غصة الصبر قبل وقتها، ولعل ما تخوفوه لا يكون، وليس من يتعجل المكروه - وهو على غير يقين مما يتعجل - بحكيم، وفيه أقول شعراً منه: [من الخفيف] .

لبس الصب للصبابة بينا ... ليس من جانب الأحبة منا كغني يعيش عيش فقير ... خوف فقر وفقره قد أبنا وأذكر لابن عمي أبي المغيرة في هذا المعنى - من ان البين أصعب من الصد - أبياتاً من قصيدة خاطبني بها وهو ابن سبعة عشر عاماً أو نحوها، وهي: [من الكامل المجزوء] .

أجزعت أن أزف الرحيل ... وولهت ان نص الذميل كلا: مصابك فادح ... وأجل: فراقهم جليل كذب الألى زعموا بان ... الصد مرتعه وبيل لم يعرفوا كنه الغلي ... ل وقد تحملت الحمول أما الفراق فإنه ... للموت إن أهوى دليل ولي في هذا المعنى قصيدة مطولة أولها: [من الكامل] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015