-أي الآية السابقة- رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المُنْكَر، حتى إذا رأيتَ شُحّاً مُطاعاً، وهوىً متَّبعاً، ودنيا مؤثَرةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، ورأيتَ أمراً لا يَدَان لك به، فعليك بنفسك، ودَعْ عنك أمر العوام؛ فإن من ورائِك أيّامَ الصبرِ، الصَبْرُ فيهِنّ مثل قبْضٍ على الجمر، للعامل فيهنّ كأجْرِ خمسين رجلاً يَعْملون مثل عمله" "1".
فيأتي بالأمر والنهي معتقداً أنه مطيع لله ولرسوله، وهو مُعْتَدٍ في حدوده، كما نصب كثير من أهل البدع والأهواء نفسه للأمر والنهي، كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم، ممن غَلِط فيما آتاه الله من الأمر والنهي والجهاد وغير ذلك، وكان فساده أعظمَ من صلاحه.
وكلٌّ مِن الفريقين مخطيءٌ؛ وذلك لما يأتي:
- لأن الله تعالى قد أوجب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وما استدلَّ به الفريق الأول استدلالٌ غير صحيح؛ لِما فيه مِن اقتصارٍ على بعض النصوص الشرعية عن البعض الآخر، ولِما فيه مِن تأويلٍ غير صحيح.
ولقد خَطب أبوبكر في الناس؛ لتصحيح هذا التوهّم، كما جاء في الحديث فقال في خطبته: "أيّها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} "2"، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإنّي سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ الناس إذا