الحق من أقوال المختلفين، وشدة الداعي إلى ذلك، والحامل على الصبر والطلب كثيراً، وبذْل الجهد في النظر -على الإنصاف ومفارقة العوائد، وطلب الأوابد- فإن الحق في مثل هذه الأعصار قلما يعرفه إلا واحد بعد واحد! وإذا عظم المطلوب قل المساعد! فإن البدع قد كثرت، وكثُرت الدعاة إليها والتعويل عليها.
وطالبُ الحق اليوم شبيه بطلاّبه في أيام الفترة"1"، وهم: سلمان الفارسيّ، وزيد بن عمرو بن نفيل، وأضرابهما -رحمهما الله تعالى- فإنهم قدوة الطالب للحق، وفيهم له أعظم أُسوة؛ فإنهم: لمّا حرصوا على الحق، وبذلوا الجهد في طلبه، بلّغهم الله إليه، وأوقفهم عليه، وفازوا [به] من بين العوالم الجَمّة، فكم أدرك الحقَّ طالبُهُ في زمن الفترة! وكم عميَ عنه المطلوب له في زمن النبوّة!
فاعتبرْ بذلك، واقتدِ بأولئك؛ فإن الحق ما زال مصوناً عزيزاً نفيساً كريماً؛ لا يُنال مع الإضراب عن طلبه، وعدم التشوّف والتشوّق إلى سببه! ولا يهجم على المبطلين المعرضين! ولا يُفاجِئ أشباه الأنعام الغافلين! ولو كان كذلك ما كان على وجه الأرض مبطل ولا جاهل، ولا بطّال ولا غافل! وقد أخبر الله تعالى أنَّ ذرْء جهنم هم الغافلون، فإنا لله، وإنا إليه راجعون! ما أعظم المصاب بالغفلة، والمغْتَرَّ"2" بطول المهلة!! """3".