وحَفْص بن غِياث، ونظراؤهم؛ فما ظنُّك بقوله لو رأى أهل عصرنا"1"، فنسأل الله صفحاً جميلاً، وعفواً كبيراً، فيا طوبى لنا إن كانت موجباتُ أفعالنا أن نوجَعَ ضرباً؛ فإني أحسِب كثيراً ممن يتصدر لهذا الشأن يرى نفسه فوقَ الذين قد مضى وصْفُهم، ويرى أنهم لو أدركوه لاحتاجوا إليه وأَمموه. ويرى أن هذه الأفعال منهم والأقوال المأثورة عنهم كانت من عَجْزهم، وقلّةِ عِلْمهم، وضَعْف نحائزهم. الله المستعان! فلقد عشنا لشرِّ زمان. فقد حدّثَنا أبو محمد السكري، حدثنا أبو يعلي الساجي، حدثنا الأصمعي، قال: سمعت سفيان بن عيينة قال: إذا كنتَ في زمانٍ يُرْضى فيه بالقول دون الفعل، والعِلْمِ دون العمل، فاعلم بأنك في شرِّ زمانٍ بَيْن شرِّ الناس.

ولقد رُوي عن حبرٍ من أحبار هذه الأُمّة وسيدٍ من سادات علمائها أنه قال: ما أرى أن يُعَذِّب الله هذا الخَلْق إلا بذنوب العلماء.

قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد"2" -ومعنى ذاك، والله أعلم-: أن العالِمَ إذا زلَّ عن المحجة، وعَدَلَ عن الواضحة، وآثر ما يهواه على ما يَعْلمه، وسامحَ نفسه فيما تدعوه إليه، زلَّ الناس بزلَلِهِ، وانهمكوا مُسْرعين في أَثرِهِ، يَقْفون مَسْلَكَه، ويَسْلكون محجته؛ وكان ما يأتونه ويرتكبونه من الذنوب وحَوْبات المأثمِ بحُجّةٍ، وعلى اتّباعِ قدوةٍ؛ فلا تجري مجرى الذنوب التي تُمحى بالاستغفار، ومرتكبها بين الوجل والانكسار، فالمقتدون به فيها كالسفينةِ إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015