الله وتقواه كان ترجيحه لما رجح أقوى من أدلة كثيرة ضعيفة، فإلهام مثل هذا دليل في حقه، وهو أقوى من كثير من الأقيسة الضعيفة والموهومة، والظواهر والاستصحابات الكثيرة التي يحتج بها كثير من الخائضين في المذاهب، والخلاف، وأصول الفقه.

وقد قال عمر بن الخطاب: اقربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون: فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة. وحديث مكحول المرفوع: "ما أخلص عبدٌ العبادةَ لله تعالى أربعين يوماً إلا أجرى الله الحكمة على قلبه؛ وأنطق بها لسانه"، وفي رواية: "إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".

وقال أبو سليمان الداراني: إن القلوب إذا اجتمعت على التقوى جالت في الملكوت؛ ورجعت إلى أصحابها بِطُرَفِ الفوائد؛ من غير أن يؤدي إليها عالم علماً.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء" "1"، ومن معه نور وبرهان وضياء كيف لا يعرف حقائق الأشياء من فحوى كلام أصحابها؟ ولا سيما الأحاديث النبوية؛ فإنه يعرف ذلك معرفة تامة؛ لأنه قاصدٌ العمل بها، فتتساعد في حقه هذه الأشياء، مع الامتثال، ومحبة الله ورسوله، حتى إن المحب يعرف من فحوى كلام محبوبه مرادَه منه، تلويحاً لا تصريحاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015