الموقف بهذه النصوص نظر. فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يجب فيهم بالوقف، وإنما وكل علم ما كانوا يعملون لو عاشوا إلى الله سبحانه وتعالى. والمعنى: الله أعلم بما كانوا يعملون لو عاشوا.

فهو سبحانه وتعالى يعلم القابل منهم للهدى العامل به لو عاش، والقابل منهم للكفر المؤثر له لو عاش، [و] لكن لا يدل هذا على أنه يجزيهم [بمجرد] علمه فيهم بلا عمل يعملونه، وإنما يدل على أنه [سبحانه وتعالى] يعلم منهم ما هم عاملون بتقدير حياتهم.

وهذا الجواب خرج عن النبى صلى الله عليه وسلم على وجهين: أحدهما: جواب لهم إذ سألوه عنهم: ما حكمهم؟ فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، وهو فى هذا الوجه يتضمن أن الله سبحانه وتعالى يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر بتقدير الحياة، وأما المجازاة على العلم فلم يتضمنها جوابه صلى الله عليه وسلم.

وفى صحيح أبى عوانة الإسفراينى عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس: كان النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض مغازيه، فسأله رجل: ما [تقول] فى اللاهين؟ فسكت عنه، فلما فرغ من [غزوه وطاف] إذا هو بصبى يبحث فى الأرض، فأمر مناديه فنادى: "أين السائل عن اللاهين"؟ فأقبل الرجل، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الأطفال، وقال: الله أعلم بما كانوا عاملين".

والوجه الثانى: جواب لهم حين أخبرهم أنهم من آبائهم، فقالوا: بلا عمل؟ فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، كما روى أبو داود عن عائشة [رضى الله عنه] قالت: قلت: يا رسول الله، ذرارى المؤمنين؟ قال: "من آبائهم"، فقلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" [قلت: يا رسول الله، فذرارى المشركين؟ قال: "هم من آبائهم"، فقلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين] ". ففى هذا الحديث ما يدل على أن الذين يلحقون بآبائهم منهم هم الذين علم الله أنهم لو عاشوا لاختاروا الكفر وعملوه به. فهؤلاء مع آبائهم، ولا يقتضى أن كل واحد من الذرية مع أبيه فى النار.

فإن الكلام فى هذا الجنس سؤالاً وجواباً، والجواب يدل على التفصيل، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم بما كانوا عاملين" يدل على أنهم متباينون فى التبعية، بحسب نياتهم [فى] معلوم الله فيهم.

بقى أن يقال: فالحديث يدل على أنهم يلحقون بآبائهم من غير عمل، ولهذا فهمت ذلك منه عائشة فقالت: بلا عمل؟ فأقرها عليه السلام فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، ويجاب عن هذا بأن الحديث إنما دل على أنهم يلحقون بهم بلا عمل عملوه فى الدنيا، وهو الذى فهمته عائشة.

ولا ينفى هذا أن يلحقوا بهم [بأسباب آخر يمتحنهم بها فى عرصات القيامة كما سيأتى بيانه] إن شاءَ الله. فحينئذ يلحقون بآبائهم ويكونون منهم بلا عمل عملوه فى الدنيا، وعائشة [رضى الله عنه] إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015