و {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 90] ، وقوله تعالى: {ثُمَ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 171] .

وأضعاف ذلك من نصوص القرآن والسنة يدل على ما قاله أفضل الأُمة وأعلمها بالله وكتابه وأحكام الدارين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والعقل والفطرة تشهد له، وهو مقتضى حكمة العزيز الحكيم الذى بهرت حكمته العقول.

فليس الأمر سبباً خارجاً عن الضبط والحكمة بل مربوط بالأساليب، والحكم مرتب عليها أكمل ترتيب، جار على نظام اقتضاه السبب واستدعته الحكمة. وأى الطريق سلكها سالك غير هذه الطريق من الطرق المتقدمة أفضت به إلى ترك بعض النصوص ولا بد، فإنها تتناقض فى حقه لما أصله من الأصل الذى لا يلتئم عليه جمع النصوص، فلا بد أن يرد بعضها ببعض أو يستشكلها أو يتطلب لها مستنكر التأْويلات [ووجوه] التحريفات. كما رد الخوارج والمعتزلة النصوص المتواترة الدالة على خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة [ف] كذبوا بها وقالوا: لا سبيل لمن دخل النار إلى الخروج منها بشفاعة ولا غيرها.

ولما بهرتهم نصوص الشفاعة وصاح بهم أهل السنة وأئمة الإسلام من كل قطر وجانب ورموهم بسهام الرد عليهم أحالوا بالشفاعة على زيادة الثواب فقط لا على الخروج من النار، فردوا السنة المتواترة قطعاً وصاروا مضغة فى أفواه الأُمة وعاراً فى فرقها، فإن أمر الشفاعة أظهر عند الأُمة من أن يقبل شكاً أو نزاعاً، وهو عندهم مثل الصراط والحساب ونحوهما مما يعلم إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم به قطعاً، ولكن إنما أتى القوم لأنهم فى غاية البعد عما جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم، أجانب عنه، ليسوا من الورثة، وأما الخوارج فكذبوا الصحابة صريحاً، وأما المرجئة فإنهم يجوزون أن لا يدخل النار أحد من أهل التوحيد.

وهذا بخلاف المعلوم المتواتر من نصوص السنة بدخول بعض أهل الكبائر النار ثم خروجهم منها بالشفاعة، ومع هذا التواتر الذى لا يمكن دفعه لا يجوز أن يقال بجواز أن لا يدخل أحد منهم النار، بل لا بد من دخول بعضهم، وذلك البعض هو الذى خفت موازينه ورجحت سيئاته كما قال الصحابة [رضى الله عنهم] وحكى أبو محمد بن حزم هذا إجماعاً من أهل السنة.

ولولا أن المقصود ذكر الطبقات لذكرنا ما لهذه المذاهب وما عليها، وبينا تناقض أهلها، وما وافقوا فيه الحق وما خالفوه بالعلم والعدل لا بالجهل والظلم، فإن كل طائفة منها معها حق وباطل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015