رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.

وهذه الموازنة تكون بعد [القصاص] ، واستيفاءِ المظلومين حقوقهم من حسناته، فإذا بقى شيء منها وزن هو وسيئاته.

ولكن هنا مسألة، وهى: إذا وزنت السيئات بالحسنات فرجحت الحسنات، هل يلغى المرجوح جملة ويصير الأثر للراجح فيثاب على حسناته كلها، أو يسقط من الحسنات ما قابلها من السيئات المرجوحة ويبقى التأْثير للرجحان فيثاب عليه وحده؟ فيه قولان: هذا عند من يقول بالموازنة والحكمة، وأما من ينفى ذلك فلا عبرة عنده بهذا، وإنما هو موكول إلى محض المشيئة، وعلى القول الأول فيذهب أثر السيئات جملة بالحسنات الراجحة، وعلى القول الثانى يكون تأْثيرها فى نقصان ثوابه لا فى حصول العقاب له، ويترجح هذا القول الثانى بأن السيئات لو لم تحبط ما قبلها من الحسنات، وكان العمل والتأْثير للحسنات كلها لم يكن فرق بين وجودها وعدمها، ولكان لا فرق بين المحسن الذى محض عمله حسنات، وبين من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً.

وقد يجاب عن هذا بأنها أثرت فى نقصان ثوابه ولا بد، فإنه لو اشتغل فى زمن إيقاعها بالحسنات لكان أرفع لدرجته وأعظم لثوابه، وإذا كان كذلك فقد ترجح القول الأول بأن الحسنات لما غلبت السيئات ضعف تأْثير المغلوب المرجوح وصار الحكم للغالب دونه لاستهلاكه فى جنبه كما يستهلك يسير النجاسة فى الماءِ الكثير والماءُ إذا بلغ [قلتين] لم يحمل الخبث"، والله أعلم.

الطبقة الثانية عشر: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فتقابل أثراهما [فتقاوما] فمنعتهم حسناتهم المساوية من دخول النار وسيئاتهم المساوية من دخول الجنة.

فهؤلاء هم أهل أهل [الأعراف] ، لم يفضل لأحدهم حسنة يستحق بها الرحمة من ربه، ولم يفضل عليه سيئة يستحق بها العذاب.

وقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل هذه الطبقة فى سورة الأعراف- بعد أن ذكر دخول أهل النار وتلاعنهم فيها ومخاطبة أتباعهم لرؤسائهم وردهم عليهم، ثم مناداة أهل الجنة أهل النار- فقال تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ، وَنَادوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمَ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015