آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] الآية، ولولا أن هذه الآية تستدعى سفراً وحدها لذكرت بعض تفسيرها. والغرض إنما هو التنبيه والإشارة، وقد ذكر أيضاً العادل، وهو آخذ رأْس ماله من غريمه لا بزيادة ولا نقصان، ثم ختم السورة بهذه الخاتمة العظيمة التى هى من كنز تحت عرشه، والشيطان يفر من البيت الذى تقرأُ فيه، وفيها من العلوم والمعارف وقواعد الإسلام وأصول الإيمان ومقامات الإحسان ما يستدعى بيانه كتاباً مفرداً.

والمقصود ذكر طبقات الخلائق فى الدر الآخرة، ولنعد إلى المقصود، فإن هذا من سعى القلم، ولعله أهم مما نحن بصدده: فهذه الطبقات الأربع من طبقات الأمة هم أهل الإحسان والنفع المتعدى وهم العلماءُ، وأئمة العدل، وأهل الجهاد، وأهل الصدقة وبذل الأَموال فى مرضاة الله، فهؤلاء ملوك الآخرة، وصحائف حسناتهم متزايدة، تملى فيها الحسنات وهم فى بطون الأرض، ما دامت آثارهم فى الدنيا فيا لها من نعمة ما أجلها، وكرامة ما أعظمها، يختص الله بها من يشاءُ من عباده.

الطبقة الثامنة: طبقة من فتح الله له باباً من أبواب الخير القاصر على نفسه كالصلاة والحج، والعمرة، وقراءة القرآن، والصوم والاعتكاف، والذكر ونحوها، مضافاً إلى أداءِ فرائض الله عليه فهو جاهد فى تكثير حسناته، وإملاءِ صحيفته، وإذا عمل خطيئته تاب إلى الله منها. فهذا على خير عظيم، وله ثواب أمثاله من أعمال الآخرة. ولكن ليس له إلا علمه، فإذا مات طويت صحيفته [بموته] فهذه طبقة أهل الربح والحظوة أيضاً عند الله.

الطبقة التاسعة: طبقة أهل النجاة، وهى طبقة من يؤدى فرائض الله ويترك محارم الله، مقتصراً عل ذلك لا يزيد عليه ولا ينقص منه. فلا يتعدى إلى ما حرم الله عليه، ولا يزيد على ما فرض عليه.

هذا من المفلحين بضمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أخبره بشرائع الإسلام فقال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق "، وأصحاب هذه الطبقة مضمون لهم على الله تكفير سيئاتهم، إذا أدوا فرائضه واجتنبوا كبائر ما نهاهم عنه.

قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تَنْهُونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: 31] .

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015