نفعه لأنفاسهم يعود عليهم أحوج ما كانوا إليه، فكيف يبخل أحدكم عن نفسه بما نفعه مختص بها عائد إليها.

وإن نفقة المؤمنين إنما تكون ابتغاءَ وجهه خالصاً لأنها صادرة عن إيمانهم، وأن نفقتهم ترجع إليهم وافية كاملة، ولا يظلم منها مثال ذرة. وصدر هذا الكلام بأن الله [سبحانه] هو الهادى الموفق لمعاملته وإيثار مرضاته، وأنه ليس على رسوله هداهم، بل عليه إبلاغهم، وهو سبحانه الذى يوفق من يشاءُ لمرضاته.

ثم ذكر [سبحانه] المصرف الذى توضع فيه الصدقة فقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينِ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِى الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة: 273] ، فوصفهم بست صفات: إحداها: الفقر، الثانية: حبسهم أنفسهم فى سبيله تعالى وجهاد أعدائه ونصر دينه، وأصل الحصر المنع، فمنعوا أنفسهم من تصرفها فى أشغال الدنيا، وقصروها على بذلها لله فى سبيله، الثالثة: عجزهم عن الأسفار للتكسب، والضرب فى الأرض هو السفر، قال تعالى: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الأَرْضِ يَبْتبَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ} [المزمل: 20] ، وقال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] ،

الرابعة: شدة تعففهم، وهو حسن صبرهم، وإظهارهم الغنى حتى يحسبهم الجاهل أغنياءَ من تعففهم وعدم تعرضهم وكتمانهم حاجتهم،

الخامسة: أنهم يعرفون بسيماهم، وهى العلامة الدالة على حالتهم التى [وصفهم] الله بها، وهذا لا ينافى حسبان الجاهل أنهم أغنياءُ لأن الجاهل له ظاهر الأمر، والعارف هو المتوسم المتفرس الذى يعرف الناس بسيماهم [ولهذا وصف الجاهل أغنياء وقال يعرفهم بسيماهم] ، فالمتوسمون خواص المؤمنين كما قال تعالى: {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] ،

السادسة: تركهم مسألة الناس فلا يسألونهم [شيئاً] والإلحاف هو الإلحاح والنفى متسلط عليهما معاً، أى لا يسألون ولا يلحفون، فليس يقع منهم سؤال يكون بسببه إلحاف. وهذا كقوله: "على لا حبٍ لا يهتدى لمناره" أى ليس فيه منار فيهتدى به، وفيه كالتنبيه على أن المذموم من السؤال هو سؤال الإلحاف، فأما السؤال بقدر الضرورة من غير إلحاف فالأفضل تركه ولا يحرم.

فهذه ستة صفات للمستحقين للصدقة، فألغاها أكثر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015