ورجله التى يمشى بها. هذا مثل محبوبه فى وجوده وهو غير متحد به، بل هو قائم بذاته مباين له.

وهذا المعنى مفهوم بين الناس لا ينكره منهم إلا غليظ الحجاب، أو قليل العلم، ضعيف العقل، يجد محبوبه قد استولى على قلبه وذكره، فيظن أنه هو نفس ذاته الخارجة قد اتحدت به أو حلت فيه، فينشأُ من قسوة الأول وكثافته غلظ حجاب، ومن قله علم الثانى ومعرفته وضعف تمييزه ضلال الحلول والاتحاد وضلال الإنكار والتعطيل والحرمان، ويخرج [للبصير] من بين فرث هذا ودم هذا لبن الفطرة الأُولى خالصاً سائغاً للشاربين.

الموطن الثالث: عند دخوله فى الصلاة، فإنها محك الأحوال وميزان الإيمان، بها يوزن إيمان الرجل [و] يتحقق حاله ومقامه ومقدار قربه من الله ونصيبه منه، فإنها محل المناجاة والقربة ولا واسطة فيها بين العبد وبين ربه، فلا شيء أقر لعين المحب ولا ألذ لقلبه ولا أنعم لعيشه منها [إن] كان محباً فإنه لا شيء آثر عند المحب ولا أطيب له من خلوته بمحبوبه ومناجاته له ومثوله بين يديه، وقد أقبل [بقلبه على محبوبه] ، وكان قبل ذلك معذباً بمقاساة الأغيار ومواصلة الخلق والاشتغال بهم فإذا قام إلى الصلاة هرب من سوى الله إليه وآوى عنده واطمأن بذكره وقرت عينه بالمثول بين يديه ومناجاته، فلا شيء أهم إليه من الصلاة، كأنه فى سجن وضيق وغم حتى تحضر الصلاة فيجد قلبه قد انفسخ وانشرح واستراح، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لبلال: "يا بلال، أرحنا بالصلاة"، ولم يقل: أرحنا منها، كما يقول المبطلون الغافلون.

وقال بعض السلف: ليس بمستكمل الإيمان من لم يزل فى هم وغم حتى تحضر الصلاة فيزول همه وغمه، أو كما قال. فالصلاة قرة عيون المحبين وسرور أرواحهم، ولذة قلوبهم، وبهجة نفوسهم، يحملون هم الفراغ منها إذا دخلوا فيها كما يحمل الفارغ البطال همها حتى يقضيها بسرعة، فَلَهُمْ فيها شأْن وللنفَّارين شأْن، يشكون إلى الله سوءَ صنيعهم بها إذا ائتموا بهم، كما يشكوا الغافل [وللنقارين شأن يشكون إلى الله سوء صنيعهم بها إذا ائتموا بهم كما يشكوا] المعرض تطويل إمامه، فسبحان من فاضل بين النفوس وفاوت بينها هذا التفاوت العظيم. وبالجملة فمن كان قرة عينه فى الصلاة فلا شيء أحب إليه ولا أنعم عنده منها، ويودّ أَن لو قطع عمره بها غير مشتغل بغيرها، وإنما يسلى نفسه إذا فارقها بأنه سيعود إليها عن قرب فهو دائماً يثوب إليها ولا يقضى منها وطراً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015