يمشى، فإِذا أَحب فللَّه وإِذا أَبغض [أبغض] لله وإِذَا أَعطى فللَّه وإِذَا منع فللَّه، قد اتخذ الله وحده معبوده ومرجوه ومخوفه وغاية قصده ومنتهى طلبه، واتخذ رسوله وحده دليله وإِمامه وقائده وسائقه، فوحد الله بعبادته ومحبته وخوفه ورجائِهِ وإفراد رسوله بمتابعته والاقتداءِ به والتخلق بأَخلاقه والتأَدب بآدابه
فله فى كل وقت هجرتان: هجرة إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية والتوكل والإِنابة والتسليم والتفويض والخوف والرجاءِ والإِقبال عليه وصدق اللجإِ والافتقار فى كل نفس إِليه، وهجرة إِلى رسوله فى حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة، بحيث تكون موافقة لشرعه الذى هو تفصيل محابّ الله ومرضاته، ولا يقبل الله من أَحد ديناً سواه، وكل عمل سواه فعيش النفس وحظها لا زاد المعاد، وقال شيخ الطريقة وإِمام الطائفة الجنيد بن محمد قدّس الله روحه: الطرق كلها مسدودة إلا طريق من اقتفى آثار النبى صلى الله عليه وسلم، فإِن الله عَزَّ وجَلَّ يقول: "وَعِزَّتِى وَجَلالِى لَوْ أَتُونِى مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ، وَاسْتَفْتَحُوا مِنْ كُلِّ بَابٍ، لَمَا فَتَحتُ لَهُمْ حَتَّى يَدخُلُوا خَلْفَكَ". وقال بعض العارفين: كل عمل بلا متابعة فهو عيش النفس.
ولما كانت السعادة دائرة- نفياً وإِثباتاً- مع ما جاءَ به كان جديراً بمن نصح نفسه أَن يجعل لحظات عمره وقفاً على معرفته وإِرادته مقصورة على محابه، وهذا أَعلى همة شمر إليها السابقون وتنافس فيها المتنافسون، فلا جرم ضمنَّا هذا الكتاب قواعد من سلوك الهجرة المحمدية، وسميناه طريق الهجرتين، وباب السعادتين، وابتدأناه بباب الفقر والعبودية؛ إذ هو باب السعادة [الأعظم] وطريقها الأَقوم الذى لا سبيل إلى دخولها إِلا منه، وختمناه بذكر طبقات المكلَّفين من الجن والإِنس فى [الدنيا و] الآخرة ومراتبهم فى دار السعادة والشقاوة. فجاءَ الكتاب غريباً فى معناه، عجيباً فى مغزاه لكل قوم منه نصيب، ولكل وارد منه مشرب [وما كان فيه من حق وصواب فمن الله هو المانّ به فإنما التوفيق بيده] وما كان فيه من [خطأ و] زلل فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله منه براءٌ.
فيا أَيها القاريء له والناظر فيه، هذه بضاعة صاحبها المزجاة مسوقة إليك، وهذا فهمه وعقله معروض عليك، لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه. ولك ثمرته، وعليه عائدته. فإن عدم منك حمداً وشكراً، فلا يعدم منك [مغفرة و] عذراً، وإِن أبيت إلا الملام فبابه