وكم مشتر فى الخلق قد سام قلبه ... فلم يره إِلا لحبك يصلح
هوى غيركم نار تلظى ومحبس ... وحبكم الفردوس أَو هو أَفسح
فيا ضيم قلب قد تعلق غيركم ... ويا رحمة مما يجول ويكدح
والله سبحانه لم يجعل لرجل من قلبين فى جوفه، فبقدر ما يدخل القلب من هم وإِرادة وحب يخرج منه هم وإِرادة وحب يقابله، فهو إِناءٌ واحد والأَشربة متعددة، فأَى شراب ملأَه لم يبق فيه موضع لغيره، وإِنما يمتليء الإناءُ بأَعلى الأَشربة إِذا صادفه خالياً، فأَما إِذا صادفه ممتلئاً من غيره لم يساكنه حتى يخرج ما فيه ثم يسكن موضعه، كما قال بعضهم:
أَتانى هواها قبل أَن أَعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكنا
ففقر صاحب هذه الدرجة تفريغه إِنائه من كل شراب غير شراب المحبة والمعرفة، لأَن كل شراب فمسكر ولا بد، و"ما أَسكر كثيره فقليله حرام"، وأَين سكر الهوى والدنيا من سكر الخمر، وكيف يوضع شراب التسليم-الذى هو أَعلى أَشربة المحبين-فى إِناءٍ ملآن بخمر الدنيا والهوى ولا يفيق من سكره ولا يستفيق، ولو فارق هذا السكر القلب لطار بأَجنحة الشوق إِلى الله والدار الآخرة، ولكن رضى المسكين بالدون، وباع حظه من قرب الله ومعرفته وكرامته بأَخس الثمن صفقة خاسر مغبون، فسيعلم أى حظ أَضاع إِذا فاز المحبون، وخسر المبطلون.