محمد بن يزيد بن مزيد الشيباتي أشهر قادته إلى طرسوس مرابطاً1. فكانت جهود الرشيد قد تركت جرحاً عميقاً في جسد الدولة البيزنطية، وكانت مرابطة طرسوس وأهلها شجىً في حلوق الروم، فلم تستطع بيزنطة أن تفيق منها في سهولة ويسر، يدل على هذا أنها لم تحاول استغلال أَوضاع الدولة العباسية أثناء الفتنة بين الأمين والمأمون2 (193-194هـ) . فمكن طرسوس وبقية الثغور من أن تحتفظ بمركزها، بل أن تقوم بدور فعال في الجهاد بنفسها. وظهر إلى جانب المجاهدين من أهلها المتطوعة الذين كان لهم أثر محمود في الجهاد إجمالا، وخاصة في الثغور، وكانوا يُجعلون في جناحي الجيش النظامي، فتكون وظيفتهم الإِحاطة بجناحي العدو، دون أن يختلطوا بالجند النظامي المدرب، أو أن يوكل إليهم أن يغيروا على العدو، قبل نشوب الحرب لإزعاجه في قواعده، وعرقلة تجمعاته، وتخريب مدخراته، وقطع مواصلاته، كما قد يوُكل إليهم مهمة مطاردة العدو عند تقهقره.

وقد ظهر دور المتطوعة في الثغور جلياً إبّان ضعف الدولة الإِسلامية، الداخلي، وعدم قدرة الخلفاء على تسيير الجيوش أثناء الفتن الداخلية. وكانت أعمالهم كما عبر عنها الذهبي: تسر قلب المسلم3.

واستتمت طرسوس أهميتها في عهد المأمون (198، 218هـ) . لما اعتلى "تيوفيل" العرش سأل المأمون الصلح عام 210 هـ، فلم يجب المأمون إذ كانت الدولة البيزنطية تقف إلى جانب البابكية في أذربيجان، فكتب المأمون إلى عمال الثغور ومنها طرسوس فساحوا في بلاد الروم، فأكثروا من القتل فدوّخوها وظفروا ظفرا حسناً إلا أن يقظان بن عبد الأعلى السلميِ أصيب4. وفي عام 215 هـ أخذ المأمون ينفذ خطته في ضرب الدولة البيزنطية مستعيدا خطة الرشيد، فدخل طرسوس في جمادي الأولى في جحافل كثيرة، واتخذها قاعدة للهجوم على الروم، فدخل بلاد الروم وفتح حصن قرة، وخرشنة، وصملة، ثم رجع إلى دمشق5، لمواجهة بعض المشكلات فعدا"تيوفيل" امبراطور الروم على جماعة من المسلمين في أرضِ طرسوس عام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015