كل منها ثمانين ذراعاً (40 مترا) وكانت تؤدي إلى أبواب المدينة، وتفرعت من هذه الشوارع دروب وسكك كما هي العادة في المدن الإسلامية.

واتخذت أهميتها كموقع جهادي متقدم لاهتمام الرشيد بالثغور إجمالا، فقد عزلها عن ولاية الجزيرة وقنسرين، وجعلها حيزاَ واحداً، وأقام منطقة منفصلة أطلق عليها اسم منطقه العواصم1. ورتب لها جيشاً دائماً يرابط على طول الحدود، وقام بتحصين وبناء زبطرة وعين زربة، والهارٍونية، واهتم بعمارة الحدث بعد أن شعّثها الروم. بل وأراد أن يسكن أنطاكيا ليكون قريبا من الروم، في خطة للقضاء على الإمبراطورية البيزنطية، ولكنه عدل عن سكناها2. ونزل عام180 هـ الرقة واتخذها وطنا3، ليشرف إشرافاً تاماً على الثغور، وعلى الشام التي اتسمت في تلك الفترة بحوادث العصبية4. وبذلك كله أصبحت طرسوس الثغر الإسلامي المتقدم في بلاد الروم، يقوم بواجبه في الجهاد. إلى جانب أنه القاعدة الرئيسية لانطلاق الجيش الإسلامي إلى جهاد الروم، فأصبحت شجىً في حلق الروم5.

ففي عام 181هـ حد قام الرشيد بالغزو بنفسه، وتوجه بعد ذلك بالحج بالناس، وترك ابنه القاسم ليقوم بعملية الفداء باللامس على جانب البحر بينه وبن طرسوس اثنا عشر فرسخاً. وبالفعل قام أبو سليمان الخادم متولي طرسوس بعملية الفداء، ومعه ثلاثون ألفاَ من المرتزقة، وخلق كثير من أهل الثغور وغيرهم من الأعيان والعلماء، وفودي بكل أسير في بلاد الروم. وكان عدة الأسرى 3700 نفس، وقيل أكثر من ذلك6.

وأغزى الرشيد عام 191 هـ يزيد بن مخلد الهبيرى بلاد الروم في عشره آلاف، فأخذت عليه الروم المضيق فقتلوه في خمسين من أصحابه على مرحلتين من طرسوس، وانهزم الباقون. فولى الرشيد الصائفة الهرثمة بن أعين، وقام هو بنفسه فافتتح هرقلة7. وأرسل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015