دوابهم. وأسر عبد الله بن رشيد بعد ضربات أصابته، وحمل إلى ملك الروم أسيراً1. فدخل أحمد بن طولون طرسوس بجيشه، وعزم على المقام بها، وملازمه الغزاة، فغلا فيها السعر، وضاقت عنه وعن عساكره، فركب إليه أهلها، وقالوا له: "ضيقت بلدنا، وأغليت أسعارنا، فإما أقمت في عدد يسير، وإمّا ارتحلت عناية" وأغلظوا له في القول، وشغبوا عليه. وأقنع أحمد أصحابه بالانهزام من الطرسوسيين، والرحيل عن البلد، ليظهر للناس وخاصة العدو أن ابن طولون على بعد صيته، وكثرة عساكره، لم يقدر على أهل طرسوس2. ونجحت خطة ابن طولون، فقد زادت هيبة طرسولس في قلب العدو، وأصبحت تظهر بقوة عظيمة، وتخرج منها النجدات إلى الثغور الشامية والجزرية، تهاجم الروم، ولا يجرؤ الروم على مهاجمتها. وظهر فيها عدد من القادة المسلمين الأفذاذ الذين قادوا حركة الجهاد في الثغور، دون أن يتخلصوا من التنافس، والاختلاف، وتأرجح الولاء لأحمد بن طولون أو للموفق أبي أحمد، ومن هؤلاء القادة: سيما الخادم خليفة أحمد بن طولون على الثغور الشامية، وخلف صاحب أحمد بن طولون، ويازمان الخادم مولى الفتح بن خاقان، وأحمد العجيفي، وراغب مولى الموفق، ومحمد بن موسى بن طولون.

ففي عام 266 هـ غزا سيما في ثلاثمائة رجل من أهل طرسوس ووصلوا في غارتهم إلى بلاد هرقلة3.

وفي عام 269 هـ وثب خلف صاحب أحمد بن طولون بالثغور الشامية على يازمان الخادم4 مولى الفتح بن خاقان، وحبسه. فوثب به جماعة من أهل طرسوس، واستنقذوا يا زمان، وهرب خلف، وتركوا الدعاء لابن طولون، فسار ابن طولون إِليهم ونزل إذنة، واعتصم أهل طرسوس ومعهم يازمان، ورجع عنهم5 ابن طولون وفقا لخطته الحكيمة، وأرسل إلى يا زمان: "إنني لم أرحل إلا خوفا أن تخترق حرمة هذا الثغر، فيطمع فيه العدو"6 فزادت ثقة أهل طرسوس في أنفسهم، ففي عام 270 هـ خرجت الروم في مائة ألف، ونزلوا على قلمية، وهي على ستة أميال من طرسوس فخرج إليهم يا زمان في أهل طرسوس، وبيّتهم ليلا في ربيع الأول، فقتل فيما قيل سبعين ألفا، وعدداً من البطارقة، وأخذ لهم سبع صلبان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015