ووصلت أخبار الكارثة إلى بغداد، فجمع أهل اليسار أموالا كثيرة من أهل بغداد، لتصرف إلى من ينهض إلى ثغور المسلمين لقتال العدو، عوضاً عن من استشهد من المسلمين هناك. فأقبل الناس من نواحي الجبال، وأهواز، وفارس لغزو الروم، ذلك لأن الخليفة والجيش لم ينهضوا لقتال الروم1 فورد طرسوس عدد من المجاهدين رابطوا فيها ومنهم أحمد بن طولون ومعه الخاقاني وكان خصيصاً عنده، وَرَدَها عام 251 هـ2 ورابط بها، وأدمن على الغزو والجهاد. فحصلت نقطة تحول تاريخي، إذ ظهر دور المتطوعة وأهالي الثغور بوضوح في التصدي للروم، وأصبحت طرسوس تظهر بقوة عظيمة، منها تخرج النجدات لأهالي الثغور، ولا يجرؤ الروم على مهاجمتها.

وانتعشت الخلافة في عهد المعتمد (256- 279 هـ) على يدي أخيه أبي أحمد الموفق، الذي واجه حركة الزنج بقوة وجرأة. وولي أحمد بن طولون مصر، وكان يؤثر أن يلي طرسوس ليغزو منها أميراً. فكتب إلى أبي أحمد الموفق يطلب ولايتها، فلم يجبه، واستعمل عليها محمد بن هرون التغلبي، فقتل قبل وصوله. فاستعمل عوضه محمد بن علي الأرمني، وأضيف إليه انطاكيا، فوثب به أهل طرسوسِ فقتلوه. فاستعمل عليها أرخوز بن يولغ بن طرخان التركي، فسار إليها، وكان غرّاً جاهلاَ فأساء السيرة، وأخذ عن أهل لؤلؤة أرزاقهم، وميرتهم، فضجوا من ذلك، وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكونه ويقولون: "إن لم ترسلوا إلينا أرزاقنا وميرتنا، وإلا سلمنا القلعة إلى الروم ". فأعظم ذلك أهل طرسوس، وجمعوا من بينهم خمسة عشر ألف دينار، ليحملوها إليهم. فأخذها أرخوز، ليحملها إلى لؤلؤة، فأخذها لنفسه. فسلّموا القلعة إلى الروم. فقامت على أهل طرسوس القيامة، لأنها كانت شجاً في حلق الروم، فلم يكن يحرج الروم في برّ أو بحر إلا ردّوه وأنذروا به.

واتصل الخبر بالمعتمد، فقلد أحمد بن طولون طرسوس والثغور، واستعمل عليها من يقوم بغزو الروم ويحفظ ذلك الثغر عام 263 هـ3.

وقام عبد الله بن رشيد بن كاوس عام 264 هـ في أربعة آلاف من أهل الثغور الشامية بدخول بلاد الروم، فلما عاد عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية، وبطريق قرة كوكب، وخرشنة، فأحدقوا بالمسلمين، وقتلوهم إلا خمسمائة فإنهم حملوا حملة رجل واحد، ونجوا على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015