. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِكْرِمَةُ وَمَكْحُولٌ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَأَمَّا هَذِهِ الصَّلَاةُ فَفِيهَا جَوَابَانِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الدُّعَاءُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمَعْهُودَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ دَعَا لَهُمْ بِدُعَاءِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ قَبْلَ دَفْنِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَإِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِمْ فِي الْقُبُورِ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ مُطْلَقًا وَالْقَائِلُونَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ يُقَيِّدُونَهُ بِمُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لَعَلَّهَا فَائِتَةٌ هُنَا وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَهَا فِي الْأَوَّلِ.
ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ مَعْنَاهُ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ مَعْنَاهُ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ لَكِنْ تَجُوزُ وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَالَ، فِي مَوْضِعٍ إنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَمَا تَضُرُّهُ الصَّلَاةُ لَا بَأْسَ بِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ فَقَالَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَجْوَدُ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ أَجْزَأَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فَكَأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ لَا فِي وُجُوبِهَا أَحَدُهُمَا تُسْتَحَبُّ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: إنْ صَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فَحَسَنٌ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثَيْ جَابِرٍ وَعُقْبَةَ وَقَالَ: لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ أَحَدٌ الْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْآخَرِ بَلْ كِلَاهُمَا حَقٌّ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا مَعًا مُمْكِنٌ فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ: إنَّمَا لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمْ الَّذِينَ غَزَوْا الْكُفَّارَ فَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ هُمْ الَّذِينَ غَزَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِهِمْ فَيُصَلَّى عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي تِلْكَ الْمَعْرَكَةِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَهُ الصَّلَاةُ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَإِنَّ الْكُفَّارَ هُمْ الْغَازُونَ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ بَدْرٍ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالشَّهِيدِ هُنَا مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ حَالَ قِيَامِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ