. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] فَصُورَتُهُ شَكٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَقِينُ
(الثَّالِثُ) أَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّ هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَكْفِيرِ جَاهِلِ الصِّفَةِ فَمَنْ كَفَّرَهُ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ أَوَّلًا وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَكْفُرُ بِجَهْلِ الصِّفَةِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ اسْمِ الْإِيمَانِ بِخِلَافِ جَحْدِهَا وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ، قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ اعْتِقَادًا نَقْطَعُ بِصَوَابِهِ وَيَرَاهُ دِينًا وَشَرْعًا، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ مَقَالَتَهُ حَقٌّ؛ قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ سُئِلَ النَّاسُ عَنْ الصِّفَاتِ لَوُجِدَ الْعَالِمُ بِهَا قَلِيلًا وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَجَمَاعَةً مِنْ «الصَّحَابَةِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقَدَرِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُمْ جَاهِلُونَ بِهِ وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا بِسُؤَالِهِمْ عَنْ ذَلِكَ كَافِرِينَ انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ فَتْرَةٍ حِينَ يَنْفَعُ مُجَرَّدُ التَّوْحِيدِ وَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] .
(الْخَامِسُ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِشَرِيعَةٍ فِيهَا جَوَازُ الْعَفْوِ عَنْ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي شَرْعِنَا فَإِنَّهُ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ فِي شَرْعِنَا بِالشَّرْعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{السَّادِسَةُ} إنْ قُلْت ظَاهِرُ حَالِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَبِيرَةٍ وَهُوَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَكَانَ هَذَا خَاتِمَةُ أَمْرِهِ فَكَيْفَ كَانَتْ هَذِهِ الْكَبِيرَةُ سَبَبَ الْمَغْفِرَةِ لَهُ؟ قُلْت إنْ صَرَفْنَا اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ يُحْمَلُ قَدَرَ عَلَى قَضَى أَوْ ضَيَّقَ فَلَيْسَ فِيهِ الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَرْجُو الرَّحْمَةَ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ أَوْ لَا يُضَيِّقَ عَلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ أَخَذْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ اصْطَلَمَتْهُ وَأَذْهَلَتْهُ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّكْلِيفِ فَنَفَعَهُ خَوْفُهُ وَنَجَّاهُ مَعَ التَّوْحِيدِ وَلَمْ يَضُرَّهُ يَأْسُهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ حَالَةٌ انْقَطَعَ عَنْهُ فِيهَا التَّكْلِيفُ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى حَالَةٍ أَخْرَجَتْهُ عَنْ حَيِّزِ الْمُكَلَّفِينَ فَالْخَوْفُ الْحَاصِلُ لَهُ كَفَّرَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ