. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَتَاوَى الْمَوْصِلِيَّةِ بَيْنَ الْحِرَفِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُعْمَلَ فِيهِ صَنْعَةٌ خَسِيسَةٌ تُزْرِي بِهِ قَالَ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ وَغَيْرُهَا مِمَّا لَا يُزْرِي، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَبَذَّلَ ابْتِذَالَ الْحَوَانِيتِ، وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ حَسَنَةٌ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمَسَاجِدَ لَا يُفْعَلُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا إلَّا أَنْ تَدْعُوا ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ كَنَوْمِ الْغَرِيبِ فِيهِ وَأَكْلِهِ.
(الْخَامِسَةَ عَشَرَ) قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي مَنْعِ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْمَسَاجِدَ وَتَنْزِيهِهَا عَنْ الْأَقْذَارِ جُمْلَةً فَلَا يُقَصُّ فِيهَا شَعْرٌ وَلَا ظُفْرٌ وَلَا يُتَسَوَّكُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْقَذَرِ وَلَا يُتَوَضَّأُ فِيهَا وَلَا يُؤْكَلُ فِيهَا طَعَامٌ مُنْتِنُ الرَّائِحَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى.
(قُلْت) : وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ، وَمَا وَجْهُ جَعْلِ الْمَيِّتِ قَذِرًا إذَا لَمْ يُخْشَ تَلْوِيثُهُ لِلْمَسْجِدِ، وَقَدْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ» كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ وَأَيْضًا، فَإِنَّمَا يَحْرُمُ رَمْيُ الشَّعْرِ وَالْقُلَامَةِ فِيهِ، فَأَمَّا قَصُّهُ وَعَدَمُ إلْقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِخْرَاجُهُ فَلَا قَذَارَةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ السِّوَاكُ، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْقَاذُورَاتِ فَهُوَ لَا يُلْقِيهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا يُزِيلُهُ فِي السِّوَاكِ، فَإِذَا كَانَ السِّوَاكُ مَحْفُوظًا مَعَهُ فَلَا بَأْسَ، وَقَدْ نُدِبَ إلَى السِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَيُؤْمَرُ حَاضِرُ الْمَسْجِدِ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يَسْتَاكَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ؟ هَذَا مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسَةَ عَشَرَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْمَاءِ الْوَارِدِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَيُطَهِّرُهَا وَبَيْنَ الْمَاءِ الْوَارِدَةِ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَتُنَجِّسُهُ إذَا كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَتَغَيَّرَ بِهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَمَرَ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ قَدْ خَالَطَ الْبَوْلَ وَنَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ فَلَوْ اسْتَوَى الْوَارِدُ، وَالْمَوْرُودُ لَمَا أَمَرَ بِإِيرَادِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَنَهَى عَنْ إيرَادِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ.
قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَهَذِهِ مُنَاقَضَةٌ إذْ الْمُخَالَطَةُ قَدْ حَصَلَتْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَتَفْرِيقُهُمْ بِوُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ فَرْقٌ صُورِيٌّ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ شَيْءٌ قَالَ: وَلَيْسَ الْبَابُ بَابَ التَّعَبُّدِ بَلْ مِنْ بَابِ عَقْلِيَّةِ الْمَعَانِي، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَحْكَامِهَا قَالَ: ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مِنْهُمْ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ انْتَهَى.
وَفِي كَلَامِهِ هَذَا تَعَصُّبٌ وَمُجَازَفَةٌ وَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَ الْوَارِدِ وَالْمَوْرُودِ هُوَ الَّذِي