. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُنْ مِنْ آدَمَ إنْكَارٌ لِمَا اقْتَرَفَهُ مِنْ الذَّنْبِ إنَّمَا عَارَضَهُ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهِ دَفْعُ اللَّوْمِ فَكَانَ أَصْوَبُ الرَّأْيَيْنِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ آدَم بِقَضِيَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَقَدْ كُنَّا تَأَوَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ مَعَالِمِ السُّنَنِ وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِمَنْ قَبْلَهُ، وَمَعْنَى كَلَامِ آدَمَ أَنَّك يَا مُوسَى تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَقُدِّرَ عَلَيَّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، وَلَوْ حَرَصْت أَنَا، وَالْخَلَائِقُ أَجْمَعُونَ عَلَى رَدِّ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْهُ لَمْ نَقْدِرْ فَلِمَ تَلُومُنِي عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ شَرْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ، وَإِذْ تَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى آدَمَ وَغَفَرَ لَهُ زَالَ عَنْهُ اللَّوْمُ، فَمَنْ لَامَهُ كَانَ مَحْجُوجًا بِالشَّرْعِ، (فَإِنْ قِيلَ) فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ، وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِيَ بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعُقُوبَةِ، وَاللَّوْمِ، وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ فَأَمَّا آدَم فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ، وَعَنْ الْحَاجَةِ إلَى الزَّجْرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ فَائِدَةٌ؛ بَلْ فِيهِ إيذَاءٌ وَتَخْجِيلٌ، اهـ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى تَابَ عَلَى آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَارَ ذِكْرُ ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ مُبَاحَثَتَهُ عَنْ السَّبَبِ الَّذِي دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَ آدَم أَنَّ السَّبَبَ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، وَهَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الْمُبَاحَثَةُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ آدَمَ سَبَبٌ مُوقِعٌ فِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، وَقَوْلُ آدَمَ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ وَذَكَرَ فَضَائِلَهُ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ فَنَفَذَ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرَ عَلَيَّ مَا فَعَلْت، فَنَفَذَ فِي؛ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ إنَّمَا غَلَبَهُ آدَم بِالْحُجَّةِ لِأَنَّ آدَمَ أَبٌ وَمُوسَى ابْنٌ وَلَا يَجُوزُ لَوْمُ الِابْنِ أَبَاهُ وَلَا عَتْبُهُ، قَالَ وَهَذَا نَاءٍ عَنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَعَمَّا سِيقَ لَهُ، وَقِيلَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُوسَى كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ تِلْكَ الْأَكْلَةَ سَبَبَ إهْبَاطِهِ مِنْ الْجَنَّةِ وَسُكْنَاهُ فِي الْأَرْضِ وَنَشْرَ نَسْلِهِ فِيهَا فَيُكَلِّفُهُمْ وَيَمْتَحِنُهُمْ؛ وَيُرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَهُمْ وَعِقَابَهُمْ الْأُخْرَوِيَّ، قَالَ وَهَذَا إبْدَاءُ حِكْمَةِ تِلْكَ الْأَكْلَةِ لَا انْفِكَاكَ عَنْ إلْزَامِ تِلْكَ الْحُجَّةِ، وَالسُّؤَالُ بَاقٍ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ، وَقِيلَ