. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمَاشِي؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا الْفَضِيلَةُ لِلْجَمَاعَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّرْعُ «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» .

«وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ:» فَأَمَرَ بِبُدَاءَتِهِمْ لِفَضْلِهِمْ؛ أَوْ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا بَدَءُوا الْوَاحِدَ خِيفَ عَلَيْهِ الْكِبْرُ وَالزَّهْوُ فَاحْتِيطَ لَهُ بِأَنْ لَا يُبْدَأَ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ التَّعْلِيلِ انْتَهَى.

وَأَمَّا تَسْلِيمُ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ إجْلَالٌ مِنْ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ وَتَعْظِيمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ السِّنَّ الْحَاصِلَ فِي الْإِسْلَامِ مَرْعِيٌّ فِي الشَّرْعِ يَحْصُلُ بِهِ التَّقْدِيمُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَا حَاجَةَ إلَى الْأَخْذِ فِي حِكْمَتِهِ وَعَارَضْت الْحَالُ أَنَّ الْمَفْضُولَ بِنَوْعٍ مِنْ الْفَضَائِلِ قَدْ يَبْدَأُ الْفَاضِلَ بِهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَلَا تَحْسُنُ مُعَارَضَةُ مِثْلِ هَذِهِ التَّعَالِيلِ بِآحَادِ مَسَائِلَ شَذَّتْ عَنْهَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْكُلِّيَّ لَا يُطْلَبُ فِيهِ أَنْ لَا يَشِذَّ عَنْهُ بَعْضُ الْجُزْئِيَّاتِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي تَكَلَّفَ الْعُلَمَاءُ إبْرَازَهَا هِيَ حُكْمٌ يُنَاسِبُ الْمَصَالِحَ الْمُحَسِّنَةَ وَالْمُكَمِّلَةَ وَلَا نَقُولُ إنَّهَا نُصِبَتْ نَصْبَ الْعِلَلِ الْوَاجِبَةِ الِاعْتِبَارَ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا فَنَقُولُ: إنَّ ابْتِدَاءَ الْقَاعِدِ لِلْمَاشِي لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ ابْتِدَاءُ الْمَاشِي الرَّاكِبَ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لِلسَّلَامِ وَمُفْشٍ لَهُ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ:» وَبِقَوْلِهِ «إذَا لَقِيت أَخَاك فَسَلِّمْ عَلَيْهِ:» .

وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكُلٌّ مِنْ الْمَاشِي وَالْقَاعِدِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ إذَا لَقِيَهُ غَيْرَ أَنَّ مُرَاعَاةَ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قُلْت) : مَتَى تَمَكَّنَ الْمَأْمُورُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالِابْتِدَاءِ مِنْهُ فَلَمْ يَبْتَدِئْ كَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْمُبَادَرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِابْتِدَاءِ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهِ وَقَدْ بَادَرَ إلَى فِعْلِ خَيْرٍ.

(الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ:» صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «يُسَلِّمُ» لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] ، وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا كُلُّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ عُكِسَ جَازَ وَكَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي مُخَالَفَةِ الْأَفْضَلِ إنَّمَا هُوَ الْمَأْمُورُ بِالِابْتِدَاءِ دُونَ الْآخَرِ كَمَا قَدَّمْته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015