. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُلْغِيَ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَيَعْتَبِرَ لَيْلَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الزَّمَانِ الَّذِي أُبِيحَتْ فِيهِ الْهِجْرَةُ تَمَّ بِانْفِصَالِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ (قُلْت) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا فَإِنَّ الْعَرَبَ تُؤَرِّخُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامُ تَبَعٌ لَهَا وَلَيْسَتْ اللَّيَالِي مَقْصُودَهُ فِي الْكَلَامِ فِيهَا فَإِنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ مَحَلَّ الْكَلَامِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ التَّهَاجُرِ فِي وَقْتِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَلِقَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَهُوَ النَّهَارُ غَالِبًا فَإِذَا بَدَأَ بِالْهِجْرَةِ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ اسْتَمَرَّ جَوَازُهَا إلَى ظُهْرِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ كَمَا قَالُوهُ فِي مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) : هَذَا التَّحْرِيمُ مَحَلُّهُ فِي هِجْرَانٍ يَنْشَأُ عَنْ غَضَبٍ لِأَمْرٍ جَائِزٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالدِّينِ فَأَمَّا الْهِجْرَانُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ مِنْ مَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ وَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِجْرَانِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَمُرَارَةَ بْنِ الرَّبِيعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَهْجُرَ الْمَرْءُ أَخَاهُ إذَا بَدَتْ لَهُ مِنْهُ بِدْعَةٌ أَوْ فَاحِشَةٌ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ هِجْرَانُهُ تَأْدِيبًا لَهُ وَزَجْرًا عَنْهَا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فَأَمَّا الْهِجْرَانُ لِأَجْلٍ الْمَعَاصِي وَالْبِدْعَةِ فَوَاجِبٌ اسْتِصْحَابُهُ إلَى أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي هَذَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ وَصِلَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ أَوْ يُوَلِّدُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَضَرَّةً فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ رُخِّصَ لَهُ فِي مُجَانَبَتِهِ وَرُبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فَأَمَّا هِجْرَانُ الْوَالِدِ الْوَلَدَ وَالزَّوْجِ الزَّوْجَةَ وَمَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا فَلَا يَضِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَقَدْ «هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ شَهْرًا» .
(الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَتَزُولُ الْهِجْرَةُ بِمُجَرَّدِ سَلَامِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ:» وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعُودَ مَعَهُ إلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الْكَلَامِ وَالْإِقْبَالِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لَمْ يَقْطَعْ السَّلَامُ هِجْرَتَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا اعْتَزَلَ كَلَامَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ هَلْ يَزُولُ إثْمُ الْهِجْرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: