وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْت حِينَ قَدِمْنَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْت أَرَاهُ مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إنَّمَا يَدْخُلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ رَاجِعُونَ) : وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ لِعِظَمِ الْمُصِيبَةِ بِتَخَلُّفِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ الرُّفْقَةِ فِي مَضْيَعَةٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَهَذَا مِنْ صَفْوَانَ لِمَعْنَيَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) : أَنَّهَا مُصِيبَةٌ لِنِسْيَانِ امْرَأَةٍ مُنْفَرِدَةٍ فِي قَفْرٍ وَلَيْلٍ مُظْلِمٍ وَالثَّانِي لَيُقِيمَهَا اسْتِرْجَاعُهُ مِنْ نَوْمِهَا صِيَانَةً لَهَا عَنْ نِدَائِهَا وَكَلَامِهَا.
(التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهَا «فَخَمَّرْت وَجْهِي بِجِلْبَابِي:» أَيْ غَطَّيْته بِثَوْبِي وَالْجِلْبَابُ كَالْمِقْنَعَةِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا يَكُونُ أَعْرَضُ مِنْ الْخِمَارِ قَالَهُ النَّضْرُ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ ثَوْبٌ وَاسِعٌ دُونَ الرِّدَاءِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ ظَهْرَهَا وَصَدْرَهَا وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْإِزَارُ وَقِيلَ الْخِمَارُ هُوَ كَالْمَلَاءَةِ وَالْمِلْحَفَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَبَعْضُ هَذَا قَرِيبٌ مِنْ بَعْضٍ، وَفِيهِ تَغْطِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنْ نَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءً كَانَ صَالِحًا أَوْ غَيْرَهُ.
(الْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «وَاَللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً» إنَّمَا عَبَّرَتْ بِالْمُضَارِعِ إشَارَةً إلَى اسْتِمْرَارِ تَرْكِ الْكَلَامِ وَتَجَدُّدِ هَذَا الِاسْتِمْرَارِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَاضِي اخْتِصَاصُ النَّفْيِ بِحَالَةٍ بِخِلَافِ الْمُضَارِعِ وَقَوْلُهَا «وَلَا سَمِعْت مِنْهُ كَلِمَةً:» لَيْسَ تَكْرَارٌ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُكَلِّمُهَا وَلَكِنْ يُكَلِّمُ نَفْسَهُ أَوْ يَجْهَرُ بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ اسْتَعْمَلَ الصَّمْتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَدَبًا وَصِيَانَةً وَلِهَوْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَفِيهِ إغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ وَعَوْنُ الْمُنْقَطِعِ وَإِنْقَاذُ الضَّائِعِ وَإِكْرَامُ ذَوِي الْأَقْدَار وَحُسْنُ الْأَدَبِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّاتِ لَا سِيَّمَا فِي الْخَلْوَة بِهِنَّ عَنْ الضَّرُورَةِ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ مِنْ إبْرَاكِهِ الْجَمَلِ بِغَيْرِ كَلَامٍ وَلَا سُؤَالٍ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَمْشِيَ قُدَّامَهَا لَا بِجَانِبِهَا وَلَا وَرَاءَهَا وَاسْتِحْبَابُ الْإِيثَارِ بِالرُّكُوبِ.
(الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «وَبَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْوِ الظَّهِيرَةِ:» الْمُوغِرُ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ النَّازِلُ فِي وَقْتِ الْوَغْرَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ.