. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ وَإِذَا نَوَى بِقَوْلِهِ اخْتَارِي طَلَاقَهَا فِي الْحَالِ لَزِمَهُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهَذِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي نَفْسِهَا، وَيَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي تَصَرُّفٍ آخَرَ غَيْرِهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَتَنَوَّعُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَهِيَ طَالِقٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهَا قَالَتْ لَا بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ، وَتَجُوزُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِكَايَةً عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ قَوْلُهَا أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الِانْطِلَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي بِتَطْلِيقَةٍ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنْ بِتَطْلِيقَةٍ، وَهِيَ مُعْقِبَةٌ لِلرَّجْعَةِ انْتَهَى.
وَإِنَّمَا حَكَيْتُ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ فِي التَّخْيِيرِ فِيمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لَهُ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْبَابُ عَنْ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّبْوِيبِ، وَإِنَّمَا حَكَيْتُ عِبَارَةَ هَؤُلَاءِ الْمُصَنِّفِينَ لِتَبَايُنِ مَذَاهِبِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي تَفَارِيعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا عَرَفْتَهُ، وَاقْتَصَرْتُ عَلَى الْمُهِمِّ مِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ، وَلَمْ أَذْكُرْ الْخِلَافَ الْعَالِيَ اخْتِصَارًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الْخَطَّابِيَّ قَالَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ نَعُدَّ ذَلِكَ شَيْئًا، فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُنَّ لَوْ كُنَّ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَلِذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الْخِيَارِ يَكُونُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى النُّطْقِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى