. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ إلَّا بَعْدَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ وَلَمْ يَغْزُ بَعْدَهَا إلَّا تَبُوكَ وَلَمْ تُصِبْهُمْ فِي تَبُوكَ مَجَاعَةٌ أَصْلًا وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَ ابْنِ حَسَنَةَ كَانَ قَبْلَ هَذَا انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ فَتَقَدَّمَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ تَضْعِيفُهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ ضُعَفَاءُ، وَمَجْهُولُونَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِهِمْ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
هُوَ إنْ ثَبَتَ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِهِ ثُمَّ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ مِمَّا لَا يَأْكُلُ انْتَهَى وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] ، وَقَدْ ظَهَرَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ احْتِمَالَ الْمَسْخِ قَدْ أُمِنَ وَزَالَ التَّعَلُّلُ بِهِ.
وَأَمَّا الْعِيَافَةُ فَلَا تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَفِي عِبَارَةِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الْعَائِفِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَكِنْ يَبْقَى حَلَالًا لِمَنْ اعْتَادَهُ فَإِنْ صَحَّ فَسَبَبُهُ خَشْيَةُ الضَّرَرِ بِالْقَرَفِ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» وَقَالَ إنَّ الضَّبَّ مَوْجُودٌ بِمَكَّةَ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ إنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْخَبَرِ وَأَنَّ النَّاقِلَ لِوُجُودِهَا بِمَكَّةَ كَاذِبٌ أَوْ سُمِّيَتْ لَهُ بِغَيْرِ اسْمِهَا أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَيَوَانَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَكْلَهُ أَيْ لَمْ يَشِعْ أَكْلُهُ بِأَرْضِ قَوْمِي.
وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّ أَهْلَ تِهَامَةَ تَعَافُهَا» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَرِهَهُ لِرَائِحَتِهِ فَقَالَ «إنِّي يَحْضُرُنِي مِنْ اللَّهِ حَاضِرَةٌ» يُرِيدُ الْمَلَائِكَةَ فَيَكُونُ هَذَا كَنَحْوِ مَا قَالَ فِي الثُّومِ «إنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» قَالَ وَلَا بُعْدَ فِي تَعْلِيلِ كَرَاهَةِ الضَّبِّ بِمَجْمُوعِهَا.
(الْخَامِسَةُ) (إنْ قُلْت) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ «دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ فَقَرَّبَ إلَيْنَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ ضَبًّا فَآكِلٌ وَتَارِكٌ فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا آكُلُهُ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِئْسَمَا قُلْتُمْ مَا بُعِثَ نَبِيٌّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُحِلًّا