قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: أَبُو كُرَيْبٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كُرَيْبٍ، كَانَ رَجُلا صَالِحًا، ثِقَةً، مَأْمُونًا، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ تُونُسَ، وَلِيَ قَضَاءَ الْقَيْرَوَانِ، وَلاهُ ذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ حَاتِمٍ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ بُهْلُولٍ الزَّيَّاتِ، حَدَّثَهُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ حَاتِمٍ بَعَثَ إِلَى وَالِي تُونُسَ يَقُولُ لَهُ: ابْعَثْ لِي بِأَبِي كُرَيْبٍ أُوَلِّيهِ الْقَضَاءَ، فَمَا رَضِيَ أَبُو كُرَيْبٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ وَالِي تُونُسَ: إِنَّ أَبَا كُرَيْبٍ مَرِيضٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَزِيدُ: أَنِ ابْعَثْ بِهِ إِلَيَّ فِي قَطِيفَةٍ، فَبَعَثَ وَالِي تُونُسَ إِلَى يَزِيدَ بِأَبِي كُرَيْبٍ، فَلَمَّا أُقْدِمَ عَلَى يَزِيدَ كَلَّمَهُ يَزِيدُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ جَوَابًا، وَجَعَلَ يَزِيدُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْكَلامَ وَأَبُو كُرَيْبٍ سَاكِتٌ فَأَنَّبَهُ جُلاسُ يَزِيدَ، وَقَالُوا لَهُ: الأَمِيرُ يُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ صَامِتٌ، فَقَامَ يَزِيدُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَأَمَرَ جُلاسَهُ أَنْ يَفْتَرِقُوا عَنْهُ، فَقَامَ يَزِيدُ، وَجَعَلَ يَقُولُ لأَبِي كُرَيْبٍ: وَاللَّهِ يَا أَبَا كُرَيْبٍ، مَا أَرَدْتُ إِلا أَنْ أَجْعَلَكَ حَسَنَةً بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو كُرَيْبٍ: اللَّهُ، وَجَعَلَ يَزِيدُ يَحْلِفُ لَهُ مَا أَرَادَ بِذَلِكَ إِلا اللَّهَ، جَلَّ وَعَزَّ، وَأَنْ يَجِدَهُ حَسَنَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَدْ قَبِلْتُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَسْجِدِ يَنْظُرُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ لَهُ: طَابِعٌ فِي الأَمِيرِ، فَنَاوَلَهُ طَابِعًا فَانْطَلَقَ إِلَى يَزِيدَ، وَقَالَ لَهُ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْقَاضِي، فَنَهَضَ يَزِيدُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِي كُرَيْبٍ، فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: أُقْعُدْ مَعَ خَصْمِكَ مَقْعَدَ الْخُصُومِ، فَادَّعَى خَصْمُ يَزِيدَ عَلَى يَزِيدَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو كُرَيْبٍ: مَا تَقُولُ؟ فَأَنْكَرَ يَزِيدُ دَعْوَاهُ، فَاسْتَحْلَفَهُ أَبُو كُرَيْبٍ، فَقَالَ يَزِيدُ: مَا أَحْلِفُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو كُرَيْبٍ: إِنِّي أَحْكُمُ عَلَيْكَ، وَرَدَّدَهَا عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.