الْعَبَّاس إِلَى مَدِينَة تعز فوفد عَلَيْهِ فَأكْرمه غَايَة الْإِكْرَام وَأحسن إِلَيْهِ فدرس بِمَدِينَة تعز وَأفْتى فَصَارَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ والمعول فِي حل المشكلات عَلَيْهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة إب فَوقف بهَا أَيَّامًا قَلَائِل ثمَّ توفّي فِي شهر الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة وثمانمئة وَدفن بحول الْعلية بالمحطة وَعَلِيهِ حياط رَحمَه الله ونفع بِهِ وَقد ظَهرت لَهُ كرامات فِي حَيَاته وَبعد مَوته ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَكَانَت لَهُ كتب كَثِيرَة نفيسة ضَبطهَا أحسن ضبط حَتَّى صَارَت من أُمَّهَات كتب أهل الْبَلَد فَلَمَّا توفّي ورثهَا من بعده من لَا يفهمها فتفرقت وَلم يقْرَأ فِيهَا
وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين يُوسُف بن عمر العطاب كَانَ رجلا عَالما فَاضلا نحويا شَاعِرًا أديبا ذكيا متواضعا لَا يصرف سَاعَة من عمره إِلَى غير طَاعَة الله فِي آخر عمره زهد فِي الدُّنْيَا وَأَقْبل على الْآخِرَة واجتهد فِي الْعِبَادَة يطْلب الْحَلَال ويقتات من أُجْرَة عمل يَده من تَحْصِيل كتب الْعلم واستدعي إِلَى الْملك النَّاصِر فَلم يرض الْوُقُوف بِبَابِهِ وَلَا طمعت نَفسه بِقَبض شَيْء من أَسبَابه وَكَانَ يَخْلُو لِلْعِبَادَةِ فِي الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة عَن الْحَيّ فِي مجاري الْمِيَاه وكهوف الْجبَال فَلَا يزَال قَائِما يُصَلِّي مُعظم اللَّيْل وَيَتْلُو كتاب الله تَعَالَى ويبكي ويتأوه كَالْمَرْأَةِ الثكلى
أَخْبرنِي بعض أصدقائه أَنه تَلا قَوْله تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها كَانَ على رَبك حتما مقضيا} فَصَارَ يُرَدِّدهَا ويبكي وعَلى الْجُمْلَة فأحواله فِي ذَلِك كَمَا نقل عَن السّلف الصَّالِحين وَعباد الله العارفين وَهُوَ مِمَّن عمل لنَفسِهِ واجتهد لرمسه عَاشَ رَحمَه الله على الْحَال المرضي دأبه العكوف فِي الْمَسَاجِد وإدمان النّظر فِي الْكتب النافعات واستحصلها بِخَطِّهِ الْحسن وَله شعر فائق وَلَفظ رائق فِي الْوَصَايَا النافعة