كتبه وأرسل رسله لنصائح خلقه، فالسّعيد من قبل نصائحه وحفظ وصاياه، وكان فيما أوصى به خلقه أن قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (?).
فهو سبحانه أولى من قبلت نصيحته، وحفظت وصيّته.
وأما طلب المجلس وجمع العلماء، فما حملني عليه إلّا النصح للسلطان وعامّة المسلمين، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدّين، فقال:
(الدين النصيحة) قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله وأئمّة المسلمين وعامّتهم) فالنصح لله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولكتابه بالعمل بمواجبه، ولرسوله باتباع سنّته، وللأئمة بإرشادهم إلى أحكامه والوقوف عند أوامره ونواهيه، ولعامّة المسلمين بدلالتهم على ما يقرّبهم إليه ويزلفهم لديه، وقد أدّيت ما عليّ في ذلك.
والفتيا التي وقعت في هذه القضية يوافق عليها علماء المسلمين، من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة والفضلاء من الحنبلية، وما يخالف في ذلك إلّا رعاع لا يعبأ الله بهم وهو الحق الذي لا يجوز دفعه، والصواب الذي لا يمكن رفعه، ولو حضر العلماء مجلس السلطان لعلم صحّة ما أقول، والسلطان أقدر على تحقيق ذلك، وقد كتب الجماعة خطوطهم على ما قلته، وإنما سكت من سكت في أوّل الأمر لما رأوا من غضب السّلطان [ولولا ما شاهدوه من غضب السلطان (?)] لما أفتوا أولا إلا بما رجعوا إليه آخرا، ومع ذلك فنكتب ما ذكرته في الفتيا، وما ذكره الغير، وتبعث به إلى بلاد الإسلام، ليكتب فيها كلّ من يحب الرجوع إليه ويعتمد في الفتيا عليه، ونحن نحضر كتب العلماء المعتبرين، ليقف عليها السلطان.